بعد سنوات من الممارسة والتجارب والتحديات آخرها خلال الحرب الأوكرانية، هل يمكن اعتبار الوحدة النقدية الأوروبية ناجحة ومن استفاد منها؟ الدول القوية أم الضعيفة؟ هل تعتبر الوحدة نموذجا لمشاريع الوحدات الاقليمية ومنها العربية؟ ترتكز الوحدة النقدية الأوروبية على اليورو ومصرف مركزي يشرف عليه من فرانكفورت. أبقيت معظم السياسات الأخرى وطنية خاصة المالية. لم يصبح اليورو بعد وكما كان متوقعا النقد العالمي الأساسي، بل يبقى ثانيا وعن بعد وراء الدولار. عبر معايير عدة لم يأخذ اليورو بعد الدور الذي لعبه المارك الألماني أو الفرنك الفرنسي قبل الوحدة. يمكن تقسيم منطقة اليورو الى اثنين، مجموعة المارك والباقي. مستقبل اليورو لا يعتمد فقط على السياسات الداخلية وانما خاصة على رغبة آسيا والصين تحديدا في اعتماده كمنافس أو بديل للدولار في التبادل النقدي والمالي والتجاري العالمي. فهل آسيا مستعدة لخوض هذه المعركة أم تفكر في جعل نقدها الياباني أو الصيني يلعب هذا الدور؟ تظهر العقوبات المتنوعة المفروضة على روسيا قبل ومع الحرب الأوكرانية مجددا أهمية الدولار عالميا. يمكن وصف النمو الأوروبي بالمعتدل أي 3,5% في 2022 مع مستويات دين عام مرتفعة بالاضافة الى مؤشر تنافسية عام يحتاج الى تطوير لمواجهة الولايات المتحدة والدول الاسيوية خاصة الصين على المدى الطويل. 64% من الاحتياطي النقدي العالمي محرر بالدولار و 21% فقط باليورو. أما في البورصات فمجموعها في منطقة اليورو لا يصل الى ربع حجم البورصات الأميركية. حتى الصين تتفوق على أوروبا في حجم البورصات. هنالك 59 دولة تربط نقدها بالدولار مقابل 29 لليورو. في الديون الخارجية للدول النامية، 74% محررة بالدولار و8% باليورو. هنالك 180 نقد في العالم. الدولار يسيطر كما كان حال الليرة الاسترلينية في بداية القرن الماضي. للدولار وجود عالمي واضح بينما تقتصر سيطرة اليورو على أوروبا. في الدول النامية والناشئة، 61% من التبادل التجاري يجري بالدولار و 31% باليورو. لم يعد يكفي الكلام اليوم عن النقد التقليدي لوصف العلاقات الدولية بعد دخول العملات المشفرة والرقمية كالبيتكوين الى الساحة. العالم يتطور خارج الرقابة النقدية الكلاسيكية باتجاه أسواق أوسع وأكثر خطورة. هنالك حاجة لتشريعات حديثة تضع الأطر المناسبة لعمل الأسواق الجديدة. في المشاريع الاقتصادية ليست هنالك أمثلة مثالية، بل حسنات وسيئات. في سنة 2008 كان الناتج المحلي الايطالي يساوي 90% من الألماني وانحدر الى 73% اليوم. أما الاسباني، فانحدر في الفترة نفسها من 78% من الالماني الى 64%. نفس الاتجاه حصل مع البرتغال واليونان أي مع الدول الأربع التي تعتبر متقلبة، حيث مؤسساتها وان تكن ناضجة ليست قوية. هذه الدول الأربع وان تحسنت أوضاعها، خسرت نسبيا تجاه الدولة الأغنى أي ألمانيا. فالوحدة النقدية الأوروبية لم تؤد الى التقارب الاقتصادي بين الدول الغنية والفقيرة وان نمت جميعها. لمشاريع الوحدة النقدية فوائد كبيرة، لكن نسخها يجب أن يتم بحذر وعناية.