الوظيفة.. مُخدّر أم علاج؟

يعيش معظم الناس في عالمنا هذا بانتظار أهم أيام الشهر وهو غالبا ما يكون بدايته، انه يوم الراتب ويوم الفرح الذي يصاحبه، يوم الإحساس الشخصي بأن الحساب البنكي قد عاد ينبض بالحياة، يوم استلام الوصفة السحرية للسعادة عبر رسالة بنكية تقول "تم استلام الراتب"، نعم هذا حال الموظفين وهذه مشاعر العاملين، أما بالنسبة لرب العمل فالأمر مختلف وشعوره العام بهذا التاريخ ما هو إلا شعور باستحقاق وتحد دائم للحفاظ على سير العمل، وبالتالي فهو يضعه وجها لوجه أمام محاولة جديدة للتخلص ولو مرحليا من استحقاق مالي يتكرر كل ثلاثين يوما. نعم هو شعور جديد خالج الإنسان في العصر الحديث فمع تغير بيئة الأعمال وتطورها وبالتالي انتشار ما يسمى بالوظيفة أصبح وبعكس سنوات التاريخ الأولى عدد العاملين أكثر بكثير من عدد رواد الأعمال، فنحن ولو عدنا بالوراء سنوات وسنوات لوجدنا أن الإنسان كان غالبا ما يعمل ليجني قوت يومه فهو اليوم أجير وغدا صاحب العمل وبعده تاجر وغيره الكثير والكثير، فهو في سعي دائم وتغير مستمر يواجه تحدي عدم استقرار الأعمال وتقلباتها المتنوعة، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هو الراتب والوظيفة؟ وما هي أهميتهما؟ وما هي اهم ميزاتهما وعيوبهما؟ وهل ان الوظيفة هي الهدف أم أنها وسيلة مرحلية للوصول لأهداف أسمى؟. من الناحية العامة فإن الوظيفة أو العمل أو المهنة هي دور يقوم به الشخص بهدف الحصول على اجر، وبشكل أكثر تحديدًا فالوظيفة هي نشاط معين يتطلب جهدًا عقليًا أو بدنيًا غالبًا ما يتم تنفيذه بشكل منتظم مقابل أجر مادي، ومن الوظائف ما يكون بدوام كامل أو دوام جزئي، أما ما يحصل عليه العامل لقاء عمله بشكل دوري فهو ما يسمى بالراتب، وبالتالي فان الراتب وبشكل سريع هو الأجر الذي يتقاضاه الشخص العامل من الجهة التي يعمل بها سواء كان هذا العمل في أي من القطاعات المختلفة حكومية كانت أو خاصة. أما بالحديث عن أهمية الوظيفة فإن النقطة الأولى والأساسية هي الاستقرار والشعور بالأمان وبالتالي ضمان وجود تدفق نقدي كل شهر يعمل من خلاله الأفراد على سداد احتياجاتهم وتلبية رغباتهم، أما من الناحية الأخرى فإن حصول الفرد على وظيفة يساعده في تعزيز احساسه بالرضا عن نفسه وشعوره بالإنجاز وبالتالي تحقيق الذات بل والانتقال إلى مرحلة متقدمة تساعد على الإبداع والتميز، وهو ما قد لا يمكن للمرء تحقيقه بشكل فردي وبدون وجود دعم مادي ولوجستي من مؤسسات أو شركات كبرى تحيط الموظف بفريق عمل يستطيع من خلاله خلق بيئة مميزة من النجاح والتفوق، وأخيرا فإن العمل والتواصل مع الموظفين يزيد من مهارات التواصل الاجتماعي للأشخاص ويجعلهم عناصر فعّالة في بناء المجتمع وازدهاره، حيث تُساهم بيئة العمل الجيدة في تحقيق هذه المزايا من خلال التواصل الصحيح بين الفرد وزملائه. أما اهم عيوب الوظيفة فهو أنها وفي بعض الأحيان وخاصة في عدم توافر بيئة عمل مُحفّزة قد تكون سببا رئيسيا لتقليص طموح الموظفين وتقليل إنتاجيتهم وهو ما قد يؤدي إلى خسارة طاقات كامنة كانت لو ظهرت لتغير الكثير، كذلك فإن الحاجة المستمرة للعمل والتواجد المادي قد يكون احدى النتائج غير الملموسة والتي قد تواجه الموظفين في حال تعرضهم لأي من الظروف التي تحول دون قيامهم بأعمالهم وهو ما يجعل الموظف في حاجة دائمة للعمل والإنتاج خاصة في ظل حصوله على راتب غالبا ما يؤمِّن وفي حال استمراره وبشكل دائم حياة كريمة له ولعائلته. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن الوظيفة والعمل أحد اهم المراحل التي قد يمر بها الأشخاص في حياتهم على أن تكون هذه المرحلة هي بذرة صالحة للتعلم وكسب الخبرات ودراسة الأسواق ومعرفة كيف تجري الأمور في الشركات، وعلى أن يعطي خلالها الشخص كل ما يستطيع من مجهود ومعرفة ليرى بعينيه نتائج مجهوده الشخصي وبالتالي يُدرك مدى قيمة ما يعرفه وما يقوم به من أعمال، أما العمل الخاص أو الاستثمار الشخصي فهو شرط أساسي للأمان الحقيقي وذلك بشرط توافر الظروف والقدرات الملائمة لدى القائمين عليه، وهو ما يجعل الشخص أو المستثمر يشعر بالاستقرار الحقيقي بغض النظر عن ظروفه الصحية أو الجسدية وهنا أتذكر المقولة الشهيرة "عندما يأتي راتبك في الوقت المناسب، قد تأكل دجاجة، وعندما يقل الراتب ربما تأكل منتجات الدجاج (مثل البيض) واذا قل اكثر فإنك قد تبدأ في تناول ما يأكله الدجاج (مثل الذرة) وأخيرًا فانه عندما ينتهي الراتب أو يتوقف فانك قد تصبح أنت نفسك مثل الدجاجة تقضي معظم وقتك بحثا عما تأكله".