التكرار والحديث المُتكرِّر عن الأشياء هو، كما قالت لي جدتي، كفيل مع الأيام بتثبيت الحقوق أو تغييرها، فاستمرار أي حالة من المُطالبة بالحق أو البحث عن أي فرصة أو عمل مُربح هو بحد ذاته احد اهم أسباب النجاح والتفوُّق، فالثبات على الحق هو احد أسباب النجاة ومتابعة العمل بتفانٍ وإخلاص هو أحد أسباب الربح، والإبقاء على المحاولات مع تطوير الذات والبحث عن أفضل الطرق للوصول الى الأهداف بعد التوكُّل على الله هو أحد أهم أسباب النجاح والتوفيق، عالم غريب يقوم على فكرة تحدي الصِعاب والصبر عليها لتطويعها والتغلُّب عليها لاحقا، فما من شيء سهل ولا الدنيا تعطيك كل ما تريد كما تريد وحين تريد، قانون أزلي ثبت فيه الأنبياء وأصحاب الخير على مبادئهم فوصلوا وأوصلوا الدعوة والرسالة، حاول فيه العلماء مِرارا وتِكرارا فاكتشفوا النظريات والقواعد المُعقدة في العلوم وفي أسرار الطبيعة والانسان، فكرة فعمل فإصرار ومُتابعة فنجاح ووصول للأهداف والغايات، هو شريعة الحياة وقانون النجاح، فلا علم بلا عمل مُتواصل فيه يفيد ولا قيام واستقامة دون وقوع وعثرات عديدة، نعم يا أصدقائي إنها الإرادة والقُدرة على الاستمرار وتحدِي الظروف في أصعب الأوقات، نعم يا أصدقائي هي الايمان بأننا قادرون وسنصل ولو بعد حين، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي الاستمرارية؟ وهل لها علاقة بقطاع الأعمال والشركات؟ وما هي أهم الشروط التي نحتاجها للاستمرار بتقديم الأعمال؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان كلمة الاستمرار بالقيام بعمل ما تعني وبكل بساطة فعل عمل مُعيَّن وبشكل دائم ومُتكرِّر على ان يتم دائما بنفس الجودة والكفاءة، أما من الناحية الاقتصادية ومن وجهة نظر إدارة الاعمال فإن مفهوم نظام الاستمرارية وبناء لمعايير الايزو وبالتحديد المعيار رقم 22301 فهو عبارة عن نظام إدارة يمكّن المؤسسات من تحديد الطرق اللازمة لضمان استمرارية العمل، ووضع خطط خاصة بتنفيذ وتشغيل ورصد ودراسة ما قد يواجه المؤسسات من معوقات للعمل وذلك بهدف الحفاظ والحماية والإعداد لتخفيف المخاطر الناتجة عن أي أحداث غير مرغوب بها، وبالتالي فإنها تهدف وبشكل مباشر الى تحديد الاستراتيجيات التي تساعد قطاع الأعمال على تجنُّب الأحداث التي قد توقف نشاط الشركات العاملة فيه، أي أنه وبشكل مُختصر عبارة عن مجموعة من العمليات والإجراءات والقرارات والأنشطة التي يتم وضعها من أجل ضمان استمرار النشاط على توفير منتجات أو خدمات بنفس المستوى المُعتاد والمرغوب فيه من قِبل المُستهلكين وذلك في حال وقوع أي حدث قد يتسبب في تعطيل الأعمال او توقُّفِها، فهو وبشكل عام يشبه الى حدِّ كبير نظام المناعة والحماية التي يقوم بها الجسم بمُقاومة الامراض والفيروسات التي قد تمنعه من القيام بواجباته كاملة وكما يجب أن تكون، وهو ما يجعل من هذا النظام خط الدفاع الأول والأساسي لاستمرار تقديم الخدمات والمنتجات في أي من الشركات ولمواجهة أي من التهديدات التي من المُحتمل ابن تواجه الشركة عند القيام بأعمالِها وتقديم خدماتِها للجمهور. وبالحديث عن أهم الشروط الخاصة بالاستمرارية فهي وبعد التوكُّل على الله تبدأ بتحديد التوجُّه الاستراتيجي والأهداف العامة للإدارات مع التوضيح الدقيق لنوع وخصائص المنتجات او الخدمات التي ترغب هذه الشركات بتقديمِها للمُستهلكين، على ان يكون هناك معايير واضحة لقِياس جودة المُنتجات ومطابقتها للمعايير المرغوب بها من قِبل الإدارة العليا لأي شركة، ثم يجب بعد ذلك دراسة كل من خط الإنتاج وطريقة تقديم الخدمات وبيعها بشكل مُفصّل وذلك بهدف تحديد المعوقات التي قد تواجه هذا العمل ومن ثم وضع خِطط استباقِية لمواجهة هذه التهديدات والأحداث الضّارة بطريقة سهلة وسريعة بحيث أنها لا تؤثر على سير عمل الشركة وهو ما يمنح قطاع الاعمال مرونة عالية في استخدام البدائل والطُرق المُختلفة في حال وقوع أي طارئ غير مرغوب فيه على ان يتم ذلك عبر خِطط ودراسات تقوم على أساس توفير الآلات والمعدّات اللازِمة مع التأكد من تأهيل فريق العمل على مواجهة أي من الأخطاء او المعوقات التي من المُمكِن ان يتعرض لها خلال قيامِه بالعمل، عِلما بأن هذه الخِطط تقوم وبشكل أساسي على وجود نظام مُتكامِل من الرقابة والمُتابعة الدائمة لكل من عمليات الإنتاج والتسويق والتوزيع والبيع لأي من الخدمات أو المُنتجات بهدف مواجهة أي خطر أو خطأ غير مرغوب فيه بمُجرد حدوثه أو حتى قبل ذلك، وهنا يجب الإشارة الى ان تحفيز العاملين وخلق بيئة صحيِّة من العمل الجماعي بين فريق العمل هو شرط أساسي لنجاح هذه الإجراءات، فالتواصل السريع والفعّال هو سلاح الشركات الأول ومُضادها الحيوي الأقوى في وجه المشاكل والتحدِّيات. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن الاستمرارية في العمل تقوم على الإرادة والتخطيط الصحيحين بالإضافة لتكرار الاعمال واعادتِها حتى اتقانِها بشكل كبير وهو ما يجعل إمكانية الخطأ عند أدنى مُستوياتها، فانا كلما تذكرت المقولة الشهيرة لجوزيف غوبلز، المُتحدث باسم الإعلام النازي وذراع هتلر اليمنى في الدعاية والاعلام خلال الحرب العالمية الثانِية "اكذب ثم اكذب حتى يُصدِّقُك الناس"، تذكرت معها ان الاستمرار في فعل أي شيء هو عامل مهم جدا في تثبيت فكرته ووجوده حتى وان كان كذِبا أو غير موجود، فالتكرار والاعادة هي احدى وسائل الدعاية والاعلان الأساسية في عالمنا الحالي، هذا حتى وان كان ما يُسوَّق له هو امر كاذب أو غير مغلوط، فما بالك ان كنت على حق وصواب، وهنا أستذكر مقولة "علي بن ابي طالب" كرّم الله وجهه حين قال "حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهَّم أهل الباطل أنهم على حق".