«البريكسيت».. تخبط وتردد

منذ سنة 2007 تمر أوروبا بظروف صعبة ليست أقلها الأزمة المالية في اليونان والأزمات السياسية مع بريطانيا وأوكرانيا وفي إيطاليا ومؤخرا في إسبانيا مع الحركة الانفصالية في كتالونيا. يقول «مارتن شولتز» رئيس البرلمان الأوروبي السابق إن أوروبا تمر بظروف متقلبة مما يفرض على قياداتها إدارة جيدة للأزمات لتخفيف الخسائر. تواجه أوروبا أيضا خطر الإرهاب والهجرة، وهنالك قيادات عديدة ستتغير مع الوقت على الصعيدين الوطني والإقليمي. يقول الاقتصادي «جوزف ستيغليتز» إن منطقة اليورو غير صحية أصلا، بل غير قابلة للحياة، ولابد من أن تتفكك تدريجيا مع الوقت. هنالك طبعا اقتصاديون أوروبيون مهمون يفكرون في العكس. في استفتاءات حديثة أجريت في دول أوروبية، تبين أن 48% من الإيطاليين، 41% من الفرنسيين، 39% من السويديين و34% من الألمان لا يرغبون في استمرار الوحدة الأوروبية. إذا حوالي نصف سكان الدول الأساس في أوروبا يرغبون في تفكيكها، لذا فالمشكلة كبيرة. فلنعد إلى أسباب تأسيس الوحدة الأوروبية، ثم النقدية. الأسباب لم تكن أصلا اقتصادية، إذ هدفت إلى عدم تكرار الحروب بين الدول الأوروبية التي دامت قرونا. قال المستشار الألماني السابق «هلموت كول» إن أسباب خلق الوحدة هي سياسية وأمنية، وعلى الاقتصاديين أن يبرروها في الاقتصاد. أسست الوحدة النقدية لخلق منافس للولايات المتحدة ومنافس للدولار. أسست تبعا لنظريات «روبرت مونديل» لكنها لم تأخذ بالعديد من أفكاره، منها ضرورة وضع وحدة مالية وتقوية السلطة المركزية. أبقت أوروبا على السلطات الحقيقية في الدول الأعضاء وجعلت المركز ضعيفا، أي لا مجال للمقارنة مع الولايات المتحدة وقوتها العسكرية والسياسية. لذا لم تعط الوحدة الأوروبية النتائج المتوخاة، فبدأ غضب الشعوب يظهر إلى العلن تماما كما حصل في أمريكا وأدى إلى انتخاب دونالد ترامب علما بأن الوقائع والأسباب والمبررات ليست مشابهة. حتى اليوم الكلام كثير حول توقيت وخطة خروج بريطانيا من الوحدة الأوروبية والفعل قليل. هنالك تردد واضح، بل تخبط مضر من قبل البريطانيين وحكومة «تريزا ماي» يظهر في المفاوضات مع المندوب الأوروبي «بارنييه». هذا لا يعني أنها لن تخرج، بل إن المستقبل ضبابي من ناحية العلاقات بين الطرفين. موضوع الهجرة والمهاجرين لعب دورا أساسيا في دفع الأزمة إلى الوضع الحالي. هذا يعني أن الطلاق البريطاني في أسبابه الحقيقية ليس اقتصاديا، بل سياسي. فالحكم البريطاني متردد في تنفيذ البند خمسين من اتفاقية الوحدة أو اتفاقية «ليشبونة»، والأوروبيون مستعجلون، ليس لخسارة بريطانيا، بل لينشغلوا في أمور أخرى ويطووا الصفحة البريطانية. القيادات السياسية البريطانية غير راغبة في الخروج من الوحدة، لأن العلاقات الاقتصادية مع أوروبا قوية، إلا أن الاستفتاء يفرض عليها ذلك. 44 % من مجموع الصادرات البريطانية تذهب إلى أوروبا و53% من الواردات تأتي منها. هنالك فائض في ميزان الخدمات نتيجة الدور المالي الذي تلعبه سوق لندن والذي يمكن أن ينتهي مع «البريكسيت».