مرت البشرية بمراحل مختلفة من التطور والنمو، ارتبطت كل مرحلة تقدر بعدد من السنوات بفتح إنساني بارز شكل طفرة علمية، انتقل فيها الإنسان من طور إلى آخر أكثر تقدما وازدهارا ويسرا في التعامل مع الحياة ومتطلباتها الضرورية، وضبط إيقاعها في كل ما يتعلق باحتياجاته ومعاملاته وتبادلاته اليومية بتطوير وإقرار التشريعات والأنظمة الحديثة، وتحقيق المزيد من الرفاهية، فالتاريخ البشري قرن أو ارتبط بمنجزات حضارية أطلق عليها اسم (ثورة)، وثقت لخصيصة وسمة ونوع ذلك المنجز أو الفتح العلمي، والثورة العلمية هي تلك التي تمكنت عن طريق (العلم من حل المشكلة من خلال تطبيق بعض الأساليب العلمية)، وفي سلسلة الثورات العلمية عرفت: الثورة الزراعية التي انتقلت فيها البشرية من (نمط حياة الصيد والجمع إلى نمط من الزراعة والاستيطان)، والثورة الصناعية التي مرت بدورات أربع ابتدأت في القرن الثامن عشر (لعبت فيها صناعات الحديد والنسيج أدوارا مركزية)، مرورا بالثورتين الثانية والثالثة، فالرابعة التي تؤرخ لـ (عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي)، وثورة الاقتصاد المعرفي التي تحولت فيها (المعرفة إلى ثروة تفوق قيمتها في معظم الأحيان قيمة الثروات الطبيعية)، وفيها تستثمر الأمم إمكاناتها اليوم لتحقيق المزيد من التقدم والابتكار والرخاء وضمان التفوق على الآخرين. وقادت أوروبا أو دول الغرب التي تبعتها الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد ركب الحضارة، فيما ظلت الأمم الأخرى متخلفة تراقب المشهد وهي في حالة من الارتباك قبل أن تبدأ في استيعاب وفهم أسباب التقدم واللحاق تدريجيا بها، اليابان، الصين، كوريا، دول شرق آسيا مثالا، (كان الأوروبيون يسيطرون بإحكام على اقتصاد العالم وعلى معظم أراضيه. استأثرت أوروبا الغربية والولايات المتحدة معا في سنة 1950م بأكثر من نصف الإنتاج العالمي)، فيما يستعيد (الاقتصاد الصيني المزدهر حاليا قوته العالمية، مبنيا على النموذج الأوروبي في الإنتاج والتمويل)، وعبر تلك المراحل العلمية التي شهدها العصر المقدر بـ 300 عام، ظل العرب يعيشون بفكر وثقافة الماضي وصراعاته التي تنقلهم إلى المزيد من التخلف والجهل والفقر، والانفصام عن عصر المعرفة وثوراتها المتتابعة، تفصلهم عقود عن عصور النهضة والثورات العلمية، وما أزمات الخليج المفتعلة إلا مثال على تهور السياسة العربية وانحرافها وعبثها بالاقتصاد قوام الحياة والعامل الأساسي لأي نهضة وإهدارها لثروات الأمة، وفيما تعتمد اقتصادات العالم على الثقة في بنائها وتعزيز قوتها يمزق الساسة والحكام في بلداننا كل الخيوط التي تبقت من قميص الحضارة العربية التي استمرت لقرون من الزمن، متجاهلين حقيقة الحكمة الغربية التي تقول بأن (أحكم السياسات الاقتصادية هي إبقاء السياسة خارج نطاق الاقتصاد). فمتى سينتبه العرب إلى حجم الفجوة التي تفصلهم عن عصر العلم والتقنيات والتكنولوجيا والصناعات الحديثة؟ ومتى سيبدأون في التحرك لصناعة مستقبلهم؟، في حقيقة الأمر لا تلوح مؤشرات إيجابية تنبئ بأننا بلغنا مرحلة التنبه والاستيقاظ والوعي بمسؤولياتنا والإدراك بأن العصر عصر معلومات وتكتلات اقتصادية، وإنشاء أسواق مشتركة قوامها التكامل وتبادل السلع والمنافع والمصالح التي تحقق طموحات الشعوب، وإن كنا ندرك ذلك إلا أننا منغمسون حتى الثمالة في صراعات الماضي، منهكون في مشاكلنا العميقة التي نصنعها بأنفسنا، فالعرب يفتقرون اليوم إلى (القيم والجهاز القضائي والبنى السياسية الاجتماعية التي استغرقت عدة قرون لتتشكل وتنضج في الغرب والتي لا يمكن نسخها بسرعة)، فالأوروبيون لم يكن لديهم في العام (1770 أي تقنية متفوقة على المسلمين والهنود والصينيين).