هنالك قلق حول مستقبل النظام الاقتصادي الحر. النتائج الحالية ليست جيدة لكن المشكلة تكمن خاصة في غياب البدائل الفضلى العملية. هل يمكن القول أن النظام الاقتصادي الحر كما نعرفه ويمارس منذ عقود فعلا انتهى؟ هل المطلوب اليوم قيود أمام تحرك السلع والخدمات والأموال وربما أمام الأشخاص؟ هل المطلوب ضرب بعض الحريات كما يطالب بعض القادة الأوروبيين ويمارسه بوضوح دونالد ترامب ويظهر أن الرئيسين الجديدين في البرازيل والمكسيك يرغبان به. هنالك موجة جديدة من القلق والحذر تريد دفع العالم باتجاه معارض لاتفاقيات الوحدة والتعاون وتطالب باغلاق الحدود. حتى بريطانيا اليوم وبعد البريكسيت من المتوقع أن تضع قيودا أمام تحرك الأوروبيين اليها. ما هي بعض المشاكل الجدية التي يعاني منها العالم التي سببت الانتفاضات الانتخابية في أميركا وتسبب ثورة السترات الصفر في فرنسا وبلجيكا وغيرها؟ ما الذي يقلق المواطن العادي ويدفعه الى التصرف بعنف؟ ان توسع فجوتي الثروة والدخل هو احد الأسباب المهمة. لا شك أن للعولمة منافعها الكبيرة في زيادة النمو والانتاج وتقريب المسافات بفضل الاتصالات والنقل، الا أن الفقير لم يستفد من النمو كالغني فارتفعت الفجوة وهذا غير مقبول. لم يعد عرق الجبين يعطي المادة كما كان سابقا، بل أصبحت الثروة تأتي أكثر بكثير من الصفقات والفساد والابتزاز والاحتيال. لم يعد الفاسد يخجل بل يتجاهر علنا بفساده، اذ أن العقوبات والقوانين لا تطبق في أكثرية الدول. كم تكلم العالم عن الجنات الضرائبية وأوراق باناما وغيرها من الأماكن التي يخبئ فيها الأغنياء الأموال المكتسبة بالطرق المختلفة ولم يتم أي حساب أو عقاب؟ السلطات الرسمية مقصرة تجاه الفاسدين، ربما لأن تضارب المصالح يسيطر على مراكز القرار. هنالك من يتكلم اليوم عن «عنف المال» أي تحصيل الثروة بكافة الطرق والأثمان. هنالك أيضا سوء توزيع للادخار والمال. هنالك دول ومناطق في العالم تدخر الأموال وفي مقدمتها مناطق شرق آسيا وأخرى تنفق الكثير وتقترض من آسيا وأهمها الولايات المتحدة والغرب الأوروبي عموما. هذا التغير في الهيكلية الادخارية العالمية أنتج سوء توازن في القوة والنفوذ لم يعرفه العالم منذ الحرب العالمية الثانية. فالغرب مثلا لا يرى لماذا ينتج ويصدر العلم والتكنولوجيا لمناطق أصبحت أغنى منه؟ لا يفهم لماذا عليه أن يعطي أكثر مما يحصل؟ الرئيس الجديد للبنك الدولي «ديفيد مالباس» لا يوافق على اقراض الصين وبعض الدول الناشئة كالسابق لأنها أصبحت اليوم غنية وقوية ولا تحتاج للقروض الميسرة. هل على الغرب حماية بعض الدول أمنيا وسياسيا واقتصاديا وفي الوقت نفسه تقع التكلفة المالية عليه؟ هذا رأي ترامب ويطالب اوروبا بدفع ثمن الحماية الأمنية. هذا سبب رغبته بالانسحاب الأمني من بعض المناطق التي لا يرى فيها فائدة من البقاء. هذا يعدل بل يغير السياسات الأميركية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية والتي حافظ عليها جميع الرؤساء الأميركيين من جمهوريين وديموقراطيين.