بعد أن انخفضت أسعار النفط من 140 دولارا إلى 30 دولارا للبرميل الواحد وما نتج عنه من أضرار اقتصادية كبيرة لاقتصاديات دول مجلس التعاون أهمها عجوزات في الميزانية العامة وارتفاع غير مسبوق في الدين العام نتيجة للاقتراض الحكومي المباشر وغير المباشر وهروب رؤوس الأموال وانخفاض في التصنيف الائتماني الأمر الذي أجبر بعض دول المجلس إلى اللجوء إلى الاحتياطي النقدي لتمويل المصروفات العامة، فنتيجة لهذا الوضع قامت هذه الدول بإعادة النظر في سياساتها المالية والاقتصادية من خلال اتخاذ إجراءات وقرارات يمكن اعتبارها تاريخية لما لها من دور في تغيير الهيكل والنظام الاقتصادي ومصادر تمويله. فبعد هذا الانخفاض الهائل في أسعار النفط انكشفت الصورة الخفية والمخيفة للاقتصاد الخليجي، فقد أدركت دول المجلس بأن وضعها الاقتصادي في أزمة هيكلية حقيقية ويجب التعامل معها بشكل حازم وقبل فوات الأوان. المشكلة تكمن في الدور الاقتصادي للدولة وكذلك في الكيفية والسياسات التي من خلالها تستخدم الموارد الطبيعية والمتمثلة في النفط والغاز والتي هي موارد غير متجددة أي أن ما يأخذ منها لا يعوض وبذلك فهي موارد معرضة لخطر النضوب والنفاد، الأمر الذي يستلزم تحقيق الاستخدام الأمثل لها وعدم التفريط في استغلالها. وتعمل المجتمعات على استغلال الموارد المحدودة لبناء مستقبل أفضل وتحقيق تقدمها وحضارتها. إن أهم ما كشفته أزمة انخفاض أسعار النفط هو أنه ومنذ اكتشاف أول بئر للنفط وإلى الآن وهذه الدول النفطية الخليجية تعتمد اعتمادا كلياً على الإيرادات النفطية في تمويل ميزانياتها العامة حيث تصل متوسط نسبة الايرادات النفطية في هذه الدول إلى 88% من الإيرادات العامة. كما أن هذه الدول وبعد كل هذه السنين لا تزال مرتبطة بالقطاع النفطي وتسيرها متغيرات أسعار النفط في الأسواق العالمية. فكلما ارتفعت هذه الأسعار أصبحت الدولة أكثر قدرة على تمويل النفقات المتكررة ومشاريع البنية التحتية وتوظيف ما تشاء من القوى العاملة في القطاع العام، والعكس صحيح تماما فعندما تنخفض أسعار النفط تتقلص المقدرة المالية للدولة وتصبح غير قادرة على تنفيذ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية فتكون ملزمة على الاقتراض لتمويل العجز المالي في الميزانية العامة. وبسبب الاعتماد الكلي على الإيرادات النفطية فقد أصبحت السياسة المالية الأداة الاقتصادية الرئيسية في يد الدولة، فمن خلال هذه الأداة تقوم الدولة بتوزيع الإيرادات النفطية على مختلف القطاعات الاقتصادية، حيث وبهذه الطريقة يتم ضخ السيولة في الاقتصاد ويتم تمويل المشاريع التنموية وتطوير القطاعات الاقتصادية وتقديم الدعم العشوائي للمواطنين. فالدعم الحكومي ولعقود من الزمن كان يتجه للأسر الغنية والفقيرة والمواطنين والعمالة الأجنبية على حد سواء، وهذا بلغة الاقتصاد يسمى استنزاف للموارد. كما أن نمو وحجم القطاع الخاص أصبح مرتبطا أيضا بحجم السيولة التي يضخها القطاع العام في الاقتصاد وكأنما سبب وجود ونمو المؤسسات الخاصة هو حجم تدفق السيولة من القطاع العام فهي التي تحرك عجلة الاقتصاد، وهذا يعكس خللا هيكليا خطيرا في الاقتصاد الخليجي. فالقطاع الخاص وبسبب انخفاض المصروفات الحكومية أصبح يعاني من شح السيولة ومن تقلص الطلب العام ومن تدهور الاستقرار الاقتصادي نتيجة لانخفاض أسعار النفط. فالمشكلة التي يعانيها الاقتصاد الخليجي هي ليست محصورة في انكماش الإيرادات النفطية وإنما في هيكل الاقتصاد ودور الدولة في العملية التنموية.