التعايش مع الجائحة بعد أكثر من سنتين من الإجراءات الاحترازية الخانقة التي دمرت مصادر عيش الملايين من البشر حول العالم، وقادت إلى إغلاق مؤسسات ومشاريع وأعمال كانت موردا وموئلا تغذي اقتصادات الدول، وتسهم في تنويع مصادر الدخل وتوفر الوظائف للباحثين والمحتاجين، كان الخيار الوحيد والمحسوم الذي يظهر بأن الحكومات قد تبنته في نهاية المطاف، فالمزيد من الاغلاقات وإجراءات الحظر وتضييق الحركة على المواطنين، سوف يقود إلى كوارث اقتصادية أشد فتكا وتدميرا واضرارا من خسائر "كوفيد19"، لذلك تتسابق الحكومات في هذه المرحلة إلى الإعلان عن "إلغاء فحوصات PCR قبل مغادرة المسافرين.."، و"تخفيف الإجراءات والقيود المتعلقة بمرض فيروس كورونا"، و"انتهاء الجائحة وإلغاء الزامية الحجر"، والكمامات... بهدف تنشيط الحركة الاقتصادية وضمان عودة نشاط السفر والسياحة إلى سابق عهده واستعادة الحياة مثلما كانت في الأسواق والمطارات والفنادق والأماكن السياحية الجاذبة، وضمان نمو مقبول بعد انكماش طال أمده، خاصة وأن دول الخليج تعيش مرحلة ازدهار أسعار النفط في الأسواق العالمية على إثر تراجعات وانهيارات تواصلت لسنوات، حيث يمكن استثمار هذا النمو وفوائضه بضخها في نشاطات واستثمارات وأسواق واعدة تضمن تنوعا في المصادر ونموا في القطاعات غير النفطية، ويعد هذا التعافي في أسعار النفط بمثابة عملية انقاذ ناجحة وغير محسوبة للاقتصاد الخليجي الذي عانى بشكل كبير وكان في وضع صحي مقلق. يخبرني ابني محمد الذي عاد من رحلة إلى تايلند قبل أيام بأن العاصمة "بانكوك"، ستحتاج إلى سنوات من الجهد والعمل وسياسات التحفيز قبل أن تستعيد مجدها السياحي والتجاري ونشاطها الاقتصادي المعهود الذي عرفه قبل الجائحة وفقا لمشاهداته ومقارناته بين اليوم وما قبل ثلاث سنوات. تقرير "الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه" تنبأ بنسبة نمو قد تصل إلى 4% في عام 2022 و 5'3% في 2023 بعد انكماشه بنسبة 4'3% في 2020 و5% في 2021. مع أن "الناتج الإجمالي العالمي في 2021 كان أعلى بنسبة 9'1% مقارنة بعام 2019 ولكنه يظل أقل من مستوى الناتج المتوقع قبل الجائحة بنسبة 3'3%"، ووفقا للتوقعات الحالية فإن "نصف اقتصادات العالم ستتجاوز مستويات الإنتاج قبل انتشار الوباء بنسبة 7% على الأقل في 2023، فيما يؤكد التقرير على أن "الانتعاش الاقتصادي العالمي لا يزال محفوفا بالمخاطر وسط موجات الإصابات الجديدة بمتحورات فيروس كورونا كوفيد 19"، ويعترف التقرير كذلك بأن "أجزاء كثيرة من العالم انتعشت فيها حركة الاستثمار من الركود الناجم عن الوباء"، وذلك بسبب "تخفيف القيود والاغلاقات المفروضة جراء جائحة كوفيد 19" وبدافع من "حزم التحفيز المالي الكبيرة وتوسيع الاستثمار العالمي، فقد "نما الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة غرب آسيا بنحو 7'4 % في عام 2021 بعد الانكماش بنسبة 4'3% في 2020"، وتوقع تسارعه في 2022 ليصل إلى "8'4%" ويتوقع التقرير بأن "يستمر الانتعاش القوي خاصة في البلدان المصدرة للنفط". وستظل هذه المؤشرات تقدم قراءات تتسم بالعمومية بعيدا عن حقيقة المشهد الاقتصادي في شموليته، فمن يتعمق في التقرير وما يحتويه من معلومات سيكتشف حجم تبايناتها من منطقة إلى أخرى، وكذلك بالنسبة للأعوام التي تغطيها، وتجاهلها للمفردات والتفاصيل المرتبطة باقتصاد كل دولة وتأثيرات النمو أو الانكماش على الشعوب والأفراد وبيئات العمل والتسريح والتوظيف والدخول، وتأتي الحروب الروسية – الأوكرانية غير المحسوبة لتشكل ضربة أخرى للاقتصاد العالمي، سوف تلقي بأضرارها تباعا بحسب ما ترصدها المؤشرات والقراءات المتخصصة.