زمان كانت كرة القدم ببساطة النهر، وتحتاج إلى شاطئين "الملعب واللاعبين".. ثم توالت أحداث التطور عاصفة.. * حدث التغيير الكبير بذات لعبة الأرض مع مناخ ساخن بالبراكين والعوادم وفوز الشمس على المشتري بنهائي كأس السؤال.. من يفرض منطق الشتاء ومنطق الصيف على كوكب يشكو العبث الجشع..؟ *ومادمت ذكرتُ المشتري، لا بأس من اعتبار ذلك مدخلا إلى أن كل شيء في الرياضة وكرة القدم يتم شراؤه بالشيء الفلاني.. من اللاعب إلى أخصائي العلاج الطبيعي، ومن الملعب إلى النادي نفسه.. * وكما يذوب الجليد، ويحل الجفاف، وتشتعل الغابات، تحضر انتقالات اللاعبين وسط حالة ارتفاع صاعدة هابطة وفقاً لقاعدة العرض والطلب..! ودائماً بين البايع والمشتري يفتح الله، أو كما يقول أهل مصر..! * لماذا هذه المقارنة التأملية..؟ ببساطة..لقد سرق التطور التكنولوجي للنقل التليفزيوني من الأقلام والمايكرفونات كل شيء، وصار على الكتاب والنقاد أن يتوجهوا بين الحين والآخر إلى ما تيسر من الكتابات التأملية حتى لا أقول فلسفة الرياضة وكرة القدم.. * حتى العوائق الثقافية المتصلة بالفطرة السليمة يجري ازالتها على قدم وساق.. هل تذكرون موقف الألمان في مونديال فيفا قطر2022 وكيف تمترسوا مع هدف الترويج لفكرة غريبة على البلد المضيف وعلى المنطقة "الوان قزح"..؟ لقد تحمسوا للفكرة البائسة على حساب ظهورهم متواضعين، وهم المنتخب الذي فاز بكأس العالم أربع مرات..! * ولولا أن مجلة كيكر الألمانية كتبت تقريرا قالت فيه بأن المانيا كانت دولة، وتحولت إلى قزم كروي، ثم جارتها صحيفة بيلد الأكثر توزيعا بالقول: نهاية أمة عظيمة في كرة القدم، لاعتقدت بأن الألمان جاءوا فقط إلى الدوحة لمجرد رفع الألوان إياها بدلالاتها الصادمة.. * أما التغيير الثقافي الإيجابي الذي احدثته كرة القدم فهو ارتقاء النظرة إلى الألوان والأجناس، حيث ذابت الفواصل بين النجم الأشقر والنجم الأسمر، وانحصر التفريق في هتافات عنصرية محدودة يتم مواجهتها بحماس مسئول ومشكور.. أيضا انتظام المونديال الكروي لبنات حواء في 32 منتخبا للمرة الأولى.. * من كان يصدق أن الدوحة ستكسب مباراة التنافس على استضافة المونديال مع قوى عالمية بجدارة وتميز ؟ وأن اندية سعودية ستنافس داخل كشوفات القيمة السوقية لنجوم من الوزن العالمي الهائل..؟ لقد ذاب الجليد الذي أوهمنا أن للبطولات الكبيرة والنجوم الكبار مناطق جغرافية محددة ليس منها منطقتنا.. وهاهي الأيام تأتي بهاتف في السحر يجهر بأن القادم أكثر إثارة وأكثر عبورا للصعب.. *. اعتقدنا في البداية أن حركة النجوم "الأسطورة" من الدوريات الاسبانية والفرنسية والانجليزية إلى بلدان أقل شأنا في خارطة القوى الكروية العظمى سيرتبط بتجاوز اللاعبين العالميين لسن 35.. لكن منطق الأرض الكروية الساخنة كشف عن حركة ذوبان الجليد وحركة القارات كلما أخذت المنافسات وضعها في قائمة الاهتمام الحكومي قبل الأندية حتى لو حدث اختلال بين قواعد اللعب الكفؤ وكان الغطاء اصغر من الوعاء.. * لم يعد انتقال النجوم العالميين إلى المنطقة العربية تحت ضغط السن وتعزيز الرصيد وإنما أيضا انتقال بحث عن جمهور جديد كان حاضراً بقرون المتابعة عن بعد فصار حاضرا من وجه المدرجات إلى صحن الملعب..ومن عيون المشجع إلى رأس وقدم اللاعب..! *وفي ظني أن ثقافة الانتقال والاستقطاب رغم تكاليفها الملايينية الغالية جاءت في الزمن المناسب، لأن مدرجاتنا كانت بحاجة لجرعة إثارة إنعاشية بعد أن كان مشجعون كثر غادروا المدرجات واستمرأوا الغياب الاختياري الذي لم ينفع معه البرنامج الإذاعي القديم "نداء الغائبين" ولا محفوظات..ارجع أيها المشجع، فنحن نحبُّك..!