الاندماج المصرفي الناجح

ارتقاء بنوعية وجودة ومستوى الخدمات المقدمة هناك أسباب موضوعية وذاتية تدفع البنوك للاندماج؛ من ذلك المنافسة، الحصة السوقية، بيئة الأعمال، معدل النمو الاقتصادي، التقلبات الاقتصادية، التحديات التكنولوجية والعملانية، مستوى وعي العملاء، الابتكارات المالية، قنوات توصيل الخدمات المصرفية، الإيرادات، التكاليف، تمويل المشاريع الاستثمارية، المخاطر القائمة والمحتملة بما فيها المخاطر الائتمانية، درجة جودة الائتمان، تطبيق بازل 3 (تتضمن تحسين نوعية رأس المال، وضبط مستوى القروض، وإدارة السيولة والمخاطر)، اختبارات الضغط، الانتشار الجغرافي.. إلخ. ورغم بعض النتائج السلبية للاندماج كفقدان الهوية، وتغير آليات تقديم الخدمة للعملاء الذي عانت منه بعض البنوك حتى دون اندماج عند هيكلة نفسها، أو تغيير إدارتها، إلا أن له نتائج إيجابية كثيرة؛ فهو بمثابة التلقيح الذي يؤدي إلى نقل الصفات الوراثية للبنكين لتتفاعل معاً على شكل مؤسسة كبيرة وناضجة، وخدمات ومنتجات مصرفية متنوعة، وقنوات توصيل وتوزيع أكثر انتشارا وفاعلية، وقاعدة عملاء أوسع، وكلف تشغيلية أقل، مما يرفع الإيرادات، ويزيد الأرباح، ويحسن المركز المالي، ويدعم كفاية رأس المال، ويُحسن طرق قياس المخاطر، فتتزداد المنافسة الايجابية في السوق؛ والتي تترجم - أو هكذا يفترض- ارتقاء بنوعية وجودة ومستوى الخدمات المقدمة، ومنافسة بأسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية، وابتكارا في ادوات تمويل المشاريع التقليدية منها والجديدة، وتوجها مدروسا نحو عملاء جدد على مستوى الأفراد، أو الذين يستثمرون لإقامة مشاريع كبيرة على مستوى الحكومات والشركات ورجال الاعمال. لكن إذا كان الاندماج يعطي كل هذه النتائج الإيجابية فلماذا لاتندمج البنوك؟ الطابع العائلي إدارةً وأهدافاً لكثير منها؛ حيث ينظر اليها كتعبير عن مركز العائلة المالي والاجتماعي، والاندماج قد يؤثر على السمعة المالية لشركات ومؤسسات ومشاريع العائلة الأخرى، الازدهار الاقتصادي على مدار السنوات الماضية؛ وما وفره ذلك من نجاح وعائدات وربحية؛ لم تعد معها البنوك خاصة الخليجية منها بحاجة للاندماج لتحقيق نجاح إضافي، وحتى رفع رأسمالها لم يكن مشكلة فالاكتتابات السهلة؛ أو تدوير جزء أو كل الأرباح لزيادته كان كفيلا بتحقيق ذلك، والأهم أن كل بنك يكاد يشكل مؤسسة احتكارية لعدد من العملاء الذين يحتاجون لهذا المستوى من الخدمة، أو التمويل، أو الاهتمام، الذي يقدمه البنك منفرداً من خلال تاريخ مصرفي مشترك يحرص الطرفان على الاحتفاظ به سراً بينهما. لذلك فالاندماج المصرفي على ضرورته؛ لا يعني أن على كل البنوك الاندماج لمجرد أنها الموضة السائدة، بل لأن ظروفها تسمح أو تدفع نحو ذلك لتكون قائدة قوية للسوق المصرفي، ولتلعب دور حائط صد له أمام الأزمات وبالذات في الدول الخليجية التي تعاني من تراجع الإيرادات النفطية المحرك الأول للعجلة الاقتصادية والمصرفية؛ والتي كانت سببا في زيادة عدد المصارف بأكثر من الحاجة إليها، مما يستوجب لتقليل التكاليف، وعدم التعرض لتخفيض تصنيفاتها الائتمانية، والمحافظة على أرباحها، والاستفادة من خبرات بعضها البعض، التفكير بالاندماج ليس بهدف تحقيق أرقام قياسية بحد ذاتها على مستوى الأحجام، أو الأصول، أو الودائع، أو التسهيلات، أو قاعدة العملاء، بل لأن ذلك يمثل حلا لابد منه لمواجهة المخاطر، وللانتشار الجغرافي النوعي، وللتمدد نحو السوق المصرفية العالمية.  معايير الاندماج المصرفي الناجح- وهو يؤدي لإيجاد مؤسسة أكثر شمولية بتوسعها أفقيا على مستوى العمليات والأنشطة والخدمات/المنتجات الجديدة؛ مما يفيد من اقتصاديات النطاق (المجال)، وعاموديا على مستوى نفس الخدمات/المنتجات والعمليات والأنشطة؛ مما يفيد من اقتصاديات الحجم- قدرته على نقل صناعة القرار الإداري من المركزية إلى اللامركزية، وايجاد ثقافة جديدة موجهة بالجودة، واستلهام رضا العملاء والمجتمع، وتقييم الأداء، وتعظيم العائد على حقوق المساهمين، وشعور المتعاملين حتى العرضيون منهم بالقيمة المضافة التي يلمسونهاعند حصولهم على خدمات ومنتجات المؤسسة الجديدة، وتكريس الضوابط المصرفية الآمنة التي توطد دعائم الاستقرار المصرفي، والاهم المساهمة بإقامة صناعة مصرفية متطورة، وبغير ذلك فإن أثره لن يزيد عن مجرد انضمام مؤسسة أخرى للسوق.