التشغيل قضية ملحة بالمنطقة

تأخذ قضية التشغيل بالمنطقة حيزا كبيرا من الدراسة والتنفيذ والمتابعة للسياسات التي يتم العمل بها لتوفير مزيد من الأعمال للباحثين عن عمل، خاصة من حملة الشهادات الجامعية والعليا الوطنية والأجنبية. ولا ينكر المرء الجهود التي تُبذل من قبل الجهات الحكومية المعنية لتشغيل القوى العاملة الوطنية في مؤسسات القطاع الخاص الخليجي، بالرغم من أن بعض رجال الأعمال والمستثمرين يرون بأن يبقى سوق العمل حراً في اختيار العمالة التي تحتاج إليها المؤسسات والشركات، خاصة الجديدة منها، لكي تستطيع الوقوف والمنافسة لاحقا أمام الشركات المماثلة في العالم. ورغم صحة هذه المقولة فإن تشغيل القوى الوطنية في المنطقة يحتاج إلى تنظيم أيضا لكي لا يبقى الباحث الخليجي عن عمل يرتاد من مؤسسة إلى أخرى دون أي نتيجة إيجابية، وهو يرى أعداد الوافدين تتزايد عاما بعد عام في المؤسسات الأهلية، في الوقت الذي ترفد فيه الجامعات والكليات السوق الخليجي بآلاف من الطلبة في جميع التخصصات التي تحتاج إليها المنطقة. ففي عُمان، على سبيل المثال، هناك قرار بـ «تعمين» الوظائف التي يمكن القيام بها من قبل المواطن العماني أسوة بما هو معمول به في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بدأت هذه السياسة مع القطاع المصرفي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ليصبح هذا القطاع واحدا من أكثر القطاعات التي يعمل فيها العمانيون وبنسبة تزيد عن 90% من إجمالي العاملين. ومن هنا نرى أن هذه السياسة تؤتي ثمارها نتيجة للمتابعة الدورية لها، في الوقت الذي بدأت فيه أعداد العمالة الوافدة في التراجع بنسب قليلة في عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومؤخرا صدر مرسوم سلطاني جديد بإنشاء المركز الوطني للتشغيل لتنظيم العديد من الأمور التي تهم تشغيل القوى الوطنية في البلاد سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة، والقيام بتوجيه وإعداد وتشغيل الباحثين عن عمل واستقرارهم، وإنشاء قاعدة بيانات عن القوى العاملة وربطها إلكترونيا مع كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة (المدنية، والعسكرية، والأمنية)، ومنشآت القطاع الخاص وغيرها، وترشيح الباحثين عن عمل ممن تتوفر فيهم شروط شغل الوظائف والمهن المراد شغلها في تلك الجهات. ومثل هذه المؤسسات والأساليب أصبحت متوافرة ومعتمدة في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، سواء في وحدات الجهاز الإداري أو في منشآت القطاع الخاص. وهدفها توفير الأعمال بما يتناسب والمؤهلات العلمية والخبرات العملية للمتقدمين، بالإضافة إلى تشجيعهم على الالتحاق ببرامج التدريب لإكسابهم المهارات المهنية وفقا لاحتياجات سوق العمل الخليجي. إن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز الحوار الاجتماعي مع أطراف الإنتاج الثلاثة في المنطقة، وهي الحكومات والقطاع الخاص وأرباب العمل لتحقيق أقصى مستويات التعاون لتأهيل الكوادر الخليجية، والعمل على إيجاد بيئات عمل جاذبة لتحقيق الاستقرار والأمان الوظيفي للعمالة الوطنية العاملة في القطاع الخاص الخليجي وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة. وهذا ما تؤكد على المؤسسات المسؤولة عن قضايا العمل والعمال في توصياتها الدورية، مطالبة بضرورة الاستمرار في عقد برامج تدريبية مشتركة للعمالة الوطنية مع بقية أطراف الإنتاج والمؤسسات الأخرى، وتعزيز الحوار الاجتماعي البنَّاء لاستمرار هذه العمالة في تقديم المزيد من الإنتاجية والعطاء في عملها اليومي.