هل من واجب الدول النامية والناشئة تسريع عملها في القطاعين العام والخاص؟ هل تسريع العمل سهل؟ هل يمكن فرض السرعة على المجتمع؟ أتت السرعة من المجتمعات الغربية أي عمليا من الولايات المتحدة وأوروبا. لم نرث من المجتمع الغربي فقط الثقافة الاستهلاكية والنشاط الفردي، بل ورثنا أيضا ثقافة السرعة علما بأننا لم نطبقها جيدا. أصبحت الحياة أفضل اليوم مما كانت عليه منذ عقود. لعبت التكنولوجيا دورا كبيرا في تسريع العمل لأن النتائج الجيدة مهمة والكسل والتباطؤ ممنوعان. لا ضرورة لأن تكون النتائج مميزة ومتقنة وكاملة أو لا تكون، بل نتائج جيدة تكفي. في سنة 1990، 49% من الأوروبيين شعروا أن ضغط الحياة كبير ويرتفع. في سنة 2000، ارتفعت النسبة الى 60% مما يشير الى الضغط النفسي الذي يتعرض له الإنسان. قسم كبير من العاملين اليوم يشكو من وجع الظهر. أصبحت الحياة أسرع، وهنالك وقائع مرتبطة بالواقع الجديد. لهذا التغيير فوائد كبيرة أهمها الانتاجية الأعلى وسرعة تحقيق وتنفيذ النتائج. لهذا التغيير تكلفة مرتبطة بطبيعة الحياة ولذتها. من النتائج السلبية ظهور سلع وخدمات لا تتمتع بالنوعية المطلوبة، بل مضرة أحيانا في الغذاء مثلا. كما أن الحاجة لليد العاملة تخف مما يمكن أن يؤثر سلبا على البطالة. منها أيضا ظهور فنانين ومنتجين وخبراء وسياسيين وغيرهم لا يتمتعون بالصدقية الشعبية. التركيز على السرعة مضر، لكن مقارنة الفوائد بالتكلفة تبقى شخصية وفي رأينا الفوائد أكبر بكثير. السباق بين السرعة والتباطؤ يصبح سباقا بين الكبير والصغير، اذ الأسرع يكبر أكثر وبسرعة أكبر. فالأسرع يلغي الأبطأ. كما أن هذا السباق يرفع مخاطر الجودة والنوعية، وتظهر هذه المشكلة في أمور خطيرة كالصحة والطب. ان الخسائر الاجتماعية تظهر بشكل أسرع وأحيانا تكون أخطر ومكلفة أكثر في عصر السرعة. الأهم أن تكون السرعة تحت اشراف الانسان والمجتمع ولا تسيره فيصبح عبدا لها. اذا قارنا الشركات الجديدة اليوم بالماضي، نرى أن الأولى أصغر وتعمل بوتيرة أسرع وتتخصص عموما بالتكنولوجيا وتكبر بسرعة. ثقافة التجدد مهمة ولا يمكن أن تكون بطيئة، بل ما يميزها هي السرعة. فالسرعة في التفكير والتنفيذ والتعديل والتغيير هي المطلوبة. فالتكنولوجيا وطريقة العمل كما أذواق المستهلكين تتغير كلها بسرعة، ولا بد من التأقلم معها في سبيل النجاح. التكنولوجيا الجديدة أسرع وتكلفتها أقل، فمن يجرؤ على تجاهلها؟ جوائز النجاح أصبحت كبيرة وتكلفة الخسارة أصبحت ضئيلة مقارنة بالماضي. في عالمنا المتغير والمتجدد، لا بد من تنفيذ طرق جديدة في الادارة والقيادة مبنية على مهنية مرتفعة ورؤية كافية وحديثة تدخل التكنولوجيا وترفع الانتاجية. فالسرعة تغير المجتمعات وطرق العمل والحياة حتى في الاستهلاك. عربيا، لم نعتمد السرعة بعد مما يفسر تأخرنا في السباق ليس مع الغرب فقط بل مع آسيا وأميركا اللاتينية وحتى مع بعض الدول الأفريقية. فالسرعة وليس التسرع تبقى أهم مزايا مجتمعاتنا الحالية ولن تتغير الأمور في المستقبل القريب.