قضايا اقتصادية عام جديد وأزمات اقتصادية

انقضى عام صعب اقتصاديا على كافة بلدان العالم تقريبا، وهذه حالة استثنائية، إذ عادة ما يكون "مصائب قوم عند قوم فوائد"، إلا أن هذا العام توالت المصائب على الجميع ولم تستثن أحدا، والبداية تأتي عادة من الطرف الأقوى في الاقتصاد العالمي، فالاتحاد الأوروبي عانى في هذا العام من أزمة كادت تقضي على منطقة "اليورو" برمتها بسبب أزمة اليونان وتأزم اقتصادات إيطاليا وأسبانيا والبرتغال والتي لا زالت تتنفس بصعوبة لعلها تخرج من غرفة إنعاش الركود الرابض على أنفاسها منذ الأزمة المالية في عام 2008. أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تمكنت من خلال سياسة التسيير الكمي التي انتهت عمليا تأجيل أزماتها والخروج من حالة الركود مؤقتا وبالتالي تبدو أفضل حالا من البلدان الأوروبية رغم أن تحت الرماد هناك جذوة ملتهبة تتعلق بهيكلة الاقتصاد الأمريكي ذاته المعتمد على القروض التي تتنامى بسرعة كبيرة. ولم تسلم من الأزمات في هذا العام اقتصادات الدول الناشئة والتي تحاشت إلى حد بعيد معظم تبعات الأزمة المالية العالمية، إلا أن اقتصاداتها عانت أكثر من غيرها في الشهور الماضية، فالنمو الصيني تباطأ وعانت البورصة من شبه انهيار، في حين دخلت البرازيل رسميا في ركود عميق، وانهارت العملة الروسية "الروبل" وانخفضت مثيلتها التركية بنسبة كبيرة وتراجعت احتياطيات الهند من العملة الأجنبية بمقدار 1.4 مليار دولار. وودعت أسعار النفط أحد عصورها الذهبية لتترك الاقتصادات النفطية في حالة من الارتباك والعجوزات المالية بعد أن انهارت الأسعار ولا زالت عند أدنى مستوياتها منذ عام 2004، مما يعني أن على دول النفط أن تواجه عاما صعبا يتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات المالية، علما بأن هذه الصعوبات سوف تتفاوت بين بلد وآخر، فالبلدان التي تتمتع باحتياطيات مالية ونقدية كبيرة ستكون أكثر قدرة على مواجهة تراجع عائداتها النفطية. وإذا ما أخذنا البلدان النامية، فحدث ولا حرج، علما بأن ما خفف من وطأة الأزمات عليها هو انخفاض أسعار النفط والتي أدت إلى انخفاض قيمة وارداتها، وبالتالي ساعدت كثيرا على تأقلمها مع الأزمات الاقتصادية التي توالت في عام 2015 وجنبت بعضها انهيارا اقتصاديا محتملا. واشتركت كافة الدول في التراجعات الحادة لأسواقها المالية "البورصات" في تناغم متزامن، وكأن هذه البورصات تعزف سيمفونية الانخفاض تحت قيادة "مايسترو" فذ يقوم بتوزيع أدوار العزف بحنكة واقتدار في قطعة موسيقية حزينة كلفت المستثمرين مئات المليارات من الدولارات. ولكن ماذا بشأن العام الجديد؟ في الحقيقة لا تبدو الصورة وردية، فصندوق النقد الدولي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3.5% إلى 3.4% إذ لا نستبعد أن يقوم بتخفيضات جديدة لنسبة النمو هذه، ففي بداية العام ستستمر حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي والتذبذبات الحادة في أسعار النفط والسلع مع ما يرافقها من مضاربات وجني أرباح وخسائر وانعكاسات وتداعيات، مما يترتب على جميع الدول والمؤسسات الاقتصادية التعامل معها كل وفق فهمه ورؤيته وتحليلاته الصحيحة لهذه التطورات المعقدة والمحتملة في عام 2016. وبما أن الأوضاع الجيو – سياسية غير مستقرة بدورها، فإنه سيكون لها انعكاسات سلبية ستساهم في تعميق الأزمات وستزيد من تعقيداتها في العام القادم، مما يتطلب أخذ هذه التطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية بعين الاعتبار للتخفيف من حدة الانعكاسات السلبية للتوقعات الخاصة بالتقلبات الاقتصادية، وهو أمر في غاية الأهمية ليس للحفاظ على الحد الأدنى من النمو الاقتصادي فحسب، وإنما لدعم الاستقرار الذي يعد أمرا رئيسيا لاستقطاب رؤوس الأموال وتجنب الركود وتحسين الأوضاع الاقتصادية في العام الجديد، حيث يسعدنا أن نقدم هنا أجمل التهاني للجميع ونتمنى أن يجعله الله عاما للحد من الأزمات وأن يعم ربوع الأرض السلام والأمن والاستقرار.