تغيرت العلاقات الاجتماعية كثيرا ومنها طبيعة ودور الشيخوخة، في الماضي كان للمسن دور كبير، أي حاميا للتقاليد والعادات والتاريخ وبالتالي وجوده في المنزل «بركة». كان هنالك احترام كبير للمسن من قبل أفراد المنزل، بل من قبل المجتمع، يقفون عندما يدخل إلى مكان ما ويتكلمون معه باحترام ومحبة ويصغون إلى نصائحه. كانت كلمته مسموعة حتى عندما كان يسأل المرء عن سنه، يبالغ به لفرض بعض الاحترام. أما اليوم فالعكس صحيح، أي يحاول المرء تصغير سنه لأن احترام المسنين أصبح مفقودا، بل أصبح المسن في العديد من الأحيان عبئا على المنزل وأفراده ماليا وإنسانيا. في الماضي، كان يكمل الإنسان حياته مع أفراد عائلته الذين يهتمون به حتى آخر أيامه. أما اليوم، فطبيعة الحياة وعمل الجميع فرضا على المسن أن يعيش بمفرده مع الممرض أو في مراكز العناية المتخصصة وليس مع العائلة التي يعمل كل أفرادها لتأمين الدخل الكافي. تغير دور المسن في المجتمعات أيضا بسبب التطور التكنولوجي، عندما نريد معلومة ما، كان المجتمع يسأل المسن بسبب خبرته وحكمته ومعرفته. أما اليوم عندما نريد معلومة، نلجأ إلى الحاسوب والإنترنت، أي إلى الذين يتقنون التقنيات الجديدة وهم في أكثريتهم من الشباب والشابات. إن امتداد العمر المرتقب غيَّر طبيعة العلاقات في المجتمع وخاصة بين الشاب والمسن. في الماضي، كان الأهل يشرفون على حياة الأولاد دون حدود زمنية ويساهمون في تأمين الاستقرار والنصائح والحماية الاقتصادية ضمن الإمكانيات المتاحة، وبالتالي يبقى عامل الارتباط قويا حتى آخر الحياة. أما اليوم، فيخرج الشاب من المنزل بعد سن الرشد ليعيش مستقلا في غرفة أو شقة ويواجه مخاطر الحياة وتحدياتها بمفرده. في الماضي، كانت تنتقل الأصول من الأهل إلى الأولاد في آخر العمر أو بعد الوفاة بعد القيام بحصر الإرث وثم توزيعه. أما اليوم، فيجري نقل الأصول أو بعضها خلال الحياة ربما تهربا من ضرائب الإرث الباهظة أو ربما بسبب الحاجة المادية التي تواجه الأولاد في بداية حياتهم المهنية المستقلة. بسبب امتداد العمر أيضا، تنتقل المادة أحيانا من الأولاد إلى الأهل اهتماما بهم في الرعاية والتطبيب والعناية. لا تمكن معالجة كل مشاكل المسن، إنما يمكن جعل تلك الفترة تمر بنوعية أفضل. النوعية أهم من عدد السنوات، وهذا ما يتفق عليه المجتمع علما بأن الطب والعلوم المخبرية والرعايات الاجتماعية والتكنولوجيا ربما لا يناسبها ذلك. فالمسن لا يخاف من الموت، بل من نوعية الحياة التي يعيشها قبلا، أي خسارة السمع والنظر وحرية التنقل وغيرها والتي تؤثر جذريا على الرغبة في العيش. دور الطب الحديث يجب أن يركز على نوعية الحياة وتجنب العذاب قبل الموت، وليس على محاولة إطالة العيش مهما كان الثمن. محاولة إطالة العيش تؤدي أحيانا إلى تقصيره، لأن المسن لا يتحمل أحيانا كل التجارب المخبرية والطبية. الهدف هو تأمين الحياة الجيدة النوعية حتى الموت.