الريال واليوان والدولار

الخطوة السعودية الصينية ستثير أسئلة كثيرة حول آفاق ارتباط الريال بالدولار يأتي تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشر بين الريال السعودي واليوان الصيني دون المرور بالدولار، بعد أن غدت الصين أكبر مستورد للنفط السعودي وبنسبة تتراوح بين 15% - 18% من إجمالي الصادرات السعودية، والشريك التجاري الأول لها، وبحجم تبادل تجاري بينهما يقارب 50 مليار دولار سنويا. يتيح العمل بهذا النظام - هناك حوالي 35 نظاما مماثلا للصين مع شركاء تجاريين آخرين كروسيا - تحويل عملة التبادل التجاري من الدولار إلى الريال واليوان، مما يوفر في كلفة عمليات المبادلة المباشر بين العملتين، ويمنح الحماية من العقوبات أو التهديدات التجارية الأمريكية، إذ يصعب على الولايات المتحدة تعطيل الدفعات المالية عندما لا تكون مقومة بالدولار، كما أنه سيجنب البلدين آثار تذبذب سعر صرف الدولار، ويؤدي لمزيد من الانسيابية في العلاقات التجارية بين البلدين. فاعلية هذا النظام تتوقف على توازن العلاقة بين الشركاء فيه، ذلك أن تصدير بلد لبلد آخر بأكثر مما يستورد منه سيؤدي لتراكم عملة الشريك المستورد دون وجود حاجة إليها، خصوصا مع عدم وجود سوق دولية يمكن تصريف تلك العملة فيها، وحتى لو وجدت تلك السوق فإن تصريفها سيضر بها، وهو الأمر الذي لا تعاني منه السعودية والصين تحديدا في علاقتهما التجارية، فالتبادل التجاري بينهما يكاد يكون متوازنا تصديرا واستيرادا، مما يجعله مناسبا لهما. بالطبع ستثير الخطوة السعودية الصينية الكثير من الأسئلة حول آفاق ارتباط الريال بالدولار، وفيما إذا كانت السعودية قد بدأت عمليا بفك هذا الارتباط؟. من المبكر استنتاج ذلك، فالعلاقة الثابتة بين سعر صرف العملتين لها فوائد في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب استقرارا نقديا واقتصاديا ومعيشيا يوفرها هذا الارتباط، خصوصا أن ارتفاع أو انخفاض الدولار لا يؤثر على كمية الريالات في السوق السعودي، وهو يضبط التضخم عند مستويات آمنة، كما أن الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة مهمة للسعودية (حجم التبادل التجاري السعودي الأمريكي زاد على 45 مليار دولار في عام 2015) وبالذات فيما يتعلق بنوعية المستوردات التقنية والتكنولوجية، ومنها المتعلقة بالصناعة النفطية، إضافة إلى أن دولة بحجم السعودية النفطي ستفكر بمصالحها قبل فك ارتباط عملتها بالدولار، الذي به ومن خلاله يُسعَّر النفط السلعة الإستراتيجية الأهم بالنسبة لها، دون أن يمنع ذلك التفكير بالانتقال من نظام الربط الثابت، إلى نظام الربط المرن. وهنا تمثل الخطوة السعودية الصينية حاجة مناسبة للبلدين، وتتفق مع رغبتهما بتوجيه رسالة نقدية مشتركة للولايات المتحدة مفادها أن أهم عملة عالمية صاعدة، وأهم عملة نفطية مؤثرة، قادرتان على تسيير علاقاتهما الاقتصادية بدون المرور الإجباري بالدولار، وهما بذلك تؤكدان على النهج الجديد في التبادل التجاري الدولي الذي سيكون له تأثيره - إن عُمِّمَ - على مكانة الدولار العالمية في المستقبل. لكن من الآن وحتى حلول موعد ذلك المستقبل، فلن يكون لهذه الخطوة تأثير على مكانة الدولار، سواء بتمثيله حوالي ثلثي الاحتياطي النقدي العالمي، أو باعتباره عملة تجارة النفط الأولى في العالم، أو على حجم المعاملات الدولية به، حيث يُستخدَم في نحو 90% من العقود التجارية على مستوى العالم، فقيمة التبادل التجاري السعودي الصيني نقطة في بحر المعاملات بالدولار، كما أن دفع ثمن النفط السعودي باليوان الصيني يحتاج لبحث آخر، وحتى ذلك الوقت لا نعلم ماذا ستكون عليه ردة فعل الولايات المتحدة، أو كيف ستتصرف لمواجهة تنامي هذا الخطر النقدي.