اتفاق الجزائر النفطي

تصور البعض تراجع وتضاؤل دور كل من منظمة «أوبك» والمملكة العربية السعودية فى التحكم وإدارة سوق النفط العالمى، وذلك فى ظل وفرة الانتاج الأمريكى من النفط الصخرى، وتزايد الدور الذى تلعبه الدول النفطية غير المنضمة لأوبك... إلا أن الاتفاق الأخير الذى تم بالجزائر الأسبوع قبل الماضى بين دول أوبك وعدد من المنتجين من خارجها وفى مقدمتهم روسيا التى تعد حاليا أكبر منتج للنفط فى العالم، وهو الاتفاق الذى تم التوافق فيه على خفض وتثبيت إنتاج الدول الأعضاء بين 32,5 و33 مليون برميل نفط يومياً، والذى أثبت للعالم أجمع عودة كل من أوبك والسعودية لقيادة سوق النفط العالمى من جديد . ولعل أحد أهم أسباب نجاح هذا الاتفاق التاريخى هو قبول المملكة العربية السعودية بخفض وتثبيت إنتاجها من النفط فى إطار الاتفاق، وهو الأمر الذى يعد تغييراً شاملاً لاستراتيجيتها النفطية للحفاظ على حصتها السوقية العالمية ولكى تضع فى ذات الوقت المزيد من الضغوط على النفط الصخرى الأمريكى «كثيف الانتاج مرتفع التكلفة».. إلا أن الكثير من الخبراء والمتخصصين يؤكدون على وجود بعض التحديات الهامة التى تحول دون تحويل هذا الاتفاق الى قرار ملزم فى الاجتماع المقبل لمنظمة أوبك بمدينة فيينا فى شهر نوفمبر المقبل.  هذا ولم تكن موافقة إيران على تجميد حجم إنتاجها أمراً سهلاً أو يسيراً، فقد كان موقفها متشدداً لدرجة كبيرة خلال الأيام القليلة التى سبقت إجتماعات الجزائر ورفضت فيها الحد من انتاجها بل أكدت على سعيها لرفع إنتاجها الى 4,2 مليون برميل.. ولم يكن موقف العراق أقل تشدداً من الموقف الايرانى، حيث أكد وزير النفط العراقى أن مستويات إنتاج بلاده تعد ضعيفة جداً بالنظر لكونها ثانى اكبر منتج للنفط فى المنظمة. وقد أكد تقرير حديث صادر عن بنك «جولدمان ساكس» الأمريكى أن من أهم الأخطار التى تواجه وتهدد جهود دول منظمة «أوبك» فى خفض وتثبيت الانتاج ومن ثم العمل على زيادة أسعار النفط هو السماح لكل من نيجيريا وليبيا باستعادة سابق إنتاجهما بعد مرحلة الاضطرابات والفوضى والصراعات الداخلية وعدم الاستقرار التى عانت منها كلتا الدولتين، بما يمكن أن يغير توازن حجم المعروض من النفط العالمى. أما أهم التحديات فى الأجلين المتوسط والطويل فتتمثل فى تطوير وانتعاش صناعة النفط الصخرى الأمريكى وخفض تكلفة انتاجه فى ظل الارتفاع المرتقب لأسعار النفط المواكب لاتفاق الجزائر والذى ظهرت بشائره بالفعل، وقد أظهرت أحدث الدراسات أن شركات النفط الصخرى الأمريكية ستكون قادرة على تحقيق الأرباح إذا زاد سعر برميل النفط عن خمسين دولارا للبرميل، وبالتالى فسوف تزيد أعداد المنصات والآبار الأمريكية المنتجة ومن ثم يزيد الانتاج ويصاب السوق العالمى بالتخمة وزيادة المعروض والتى ستكون كفيلة بخفض الأسعار من جديد.. أما عن أهم الرابحين والخاسرين من إتفاق الجزائر فهذا ما سوف نتناوله بالبحث والتحليل فى المقال القادم بإذن الله.