أحداث سبتمبر.. تأثير ورؤية اقتصادية

يوم ليس كباقي الايام، انه يوم غير وجه التاريخ والدول، انتقلت فيه حالة الغليان من الشارع والشعوب الى الدول والحكومات، نعم انه يوم فارق فيه الكثير الحياة، وتهجّرت فيه شعوب وجماعات بكامل عتادها الفكري والتاريخي، يوم كان للبعض نهاية لحكم دام سنوات وبداية لحكم جديد وهيمنة جديدة ومباشرة على ثروات وموارد كانت وما زالت تتدفق عبر طبقات الأرض المختلفة، نعم يا صديقي انه يوم الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، يوم الحدث الكبير الذي ضرب الاقتصاد الأكبر في العالم، فهو نفسه يوم الهجمات التي استهدفت برجي التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع (البنتاغون) في الولايات المتحدة الامريكية وبالتحديد في ولاية مانهاتن عبر اربع طائرات تحركت في سماء البلد الأقوى امنيا وعسكريا بكامل حريتها لتتسبب لاحقا فيما يقارب الثلاثة آلاف شخص الحياة، ناهيك عن الخسائر المادية والآثار الاجتماعية والنفسية الأخرى وغيرها الكثير، يوم قد لا ينساه العالم بسرعة فهو اليوم الذي ظهرت فيه على كل نشرات الاخبار أسماء جديدة من القتلى ومن المطلوبين الاحياء على حد سواء، وهو اليوم الذي أُعلنت فيه اهداف جديدة عبر وسائل الاعلام والاعلان باستخدام لغة جديدة من الحوار والوعيد، يوم اظهر فيه المجتمع الدولي مدى هشاشته امام أي من الاختلافات الايدولوجية الكبيرة، فالشعوب انقسمت والدول استنكرت وكان ما كان من تغيير لم ينته بعد في العلاقات بين الاطياف المختلفة للمجتمع الأمريكي من جهة، وبينهم وبين باقي شعوب العالم من جهة أخرى، نعم عام 2001 عام التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهنا يأتي السؤال المهم، فما تأثيرات هذا اليوم على البورصات وعلى الاقتصاد الأمريكي والعالمي؟ وما أكثر القطاعات تضررا وتراجعا على مستوى المؤشرات الاقتصادية؟ وهل هناك من قطاعات استفادت وتحسَّن اداؤها بعد هذا اليوم؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان هذه الاحداث وما تبعها من حروب وصراعات كانت وبلا شك سببا رئيسيا لمجموعة من التغيرات في الكثير من المسلَّمات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية في العالم، وبالرغم من انها سببت خسائر فادحة لكثير من الجهات الا انها أيضا قد كانت فرصة مهمة لكثير من الأرباح التي حققتها بعض الجهات والشركات مثل شركات التصنيع العسكري والشركات التي تعني بخدمات السلاح والحروب، فمن الناحية الاقتصادية مثلا كانت هذه الحوادث بمثابة ثقل كبير على اكتاف الاقتصاد الأمريكي اما بشكل مباشر او غير مباشر، حيث تشير التقديرات الى ان الحروب التي تلت تلك الأحداث كانت كلفتها باهظة وهي التي اقتربت من الاثنين تريليون دولار، وهو الرقم الذي كان تأمينه قد تم على حساب الكثير من البرامج الاجتماعية والإعانات وغيرها من أشكال الإنفاق الاجتماعي التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن الأمريكي وذلك لتأمين مخصصات مالية لبرامج أمنية واستخباراتية للقيام بالحرب وكذلك لحماية الأراضي الأمريكية من أي هجوم جديد، اما من الناحية الأخرى فقد ذكرت شبكة سي بي إس نيوز أن تكلفة إعادة إعمار المباني المهدمة والبنية التحتية في نيويورك بلغت حوالي 21.8 مليار دولار، اما البنتاغون فقد كلف إصلاح الاضرار التي لحقت به ما يقارب 500 مليون دولار، كما ان مباني أبراج مركز التجارة العالمي ضمت أكثر من 400 شركة واجهت خسائر بقيمة 22 مليار دولار بسبب انقطاع أعمالها، اما بالنسبة لأسواق المال فنتيجة تلك الأحداث كانت ان توقف التداول وأغلقت البورصة الأمريكية لمدة أربعة أيام متتالية وهو الحدث الذي حدث للمرة الأولى منذ مارس 1933 عندما أغلق الرئيس روزفلت البورصات لمدة يومين في ذلك الوقت، وعندما اعيد فتح سوق الأسهم في 17 سبتمبر (أيلول) 2001، فقد انخفض مباشرة مؤشر الداو جونز بنسبة (7.13%) وبخسارة بلغت (617.78) نقطة وهي التي كانت تاريخيا أسوأ انخفاض لهذا المؤشر في يوم واحد، اما على صعيد الميزانيات الخاصة بالولايات المتحدة الامريكية وبناء لما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية فقد تقلص فائض الميزانية للسنة المالية المنتهية في 30 سبتمبر (أيلول) 2001، إلى (127) مليار دولار من (237) مليار دولار عام 2000، وكذلك فقد قام الكونجرس بتخصيص (22.9) مليار دولار كتمويل طارئ للحرب في أفغانستان ثم تم لاحقا رفع مخصص الإنفاق العسكري إلى (59.1) مليار دولار في عام 2002 وذلك للحصول على موافقة الكونجرس على حرب العراق في عام 2002، اما قطاع التأمين فقد كانت خسائره بسبب تلك الأحداث أكبر بأكثر من مرة ونصف مما كان في السابق حيث شملت الخسائر 11 مليار دولار بسبب توقف الأعمال، وتعويض الممتلكات بقيمة 9.6 مليار دولار، بالإضافة التزامات بقيمة 7.5 مليار دولار أمريكي، وتعويض للعمال يقترب من 1.8 مليار دولار أمريكي وغيرها من التعويضات التي تُناهز ال2.5 مليار دولار أمريكي. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإنه وبالرغم من التفاوت في التأثيرات على الشركات والمؤسسات الامريكية والعالمية، وبالرغم من ان الخسائر والارباح التي تكبدتها الولايات المتحدة الامريكية قد لا تكون قابلة للحساب الدقيق من الناحية المالية والاقتصادية، الا انه وبلا شك فقد كانت هذه الاحداث بداية لأحداث كبيرة غيَّرت وجه العالم منذ عام 2001 وما زالت حتى يومنا هذا، وهنا أستذكر المقولة الشهيرة التي تقول "بعض الاحداث يظهر تأثيرها سريعا، أما البعض الآخر فقد يبقى تأثيرها عقودا وأجيالا".