معظم الحروب في هذا الزمن هي أهلية أو داخلية وتمتد لسنوات أو عقود. هنالك حروب انتهت كما هو الحال في شمال إيرلندا وكولومبيا وأنجولا، ربما لأن الفائدة منها داخليا وخارجيا زالت لكن هنالك حروبا أخرى مستمرة. فالناس لم تعد تحتمل بعضها البعض ولا تسمع لبعضها البعض، ولا بد من انتصار فريق داخلي على آخر بطريقة أو أخرى. هذا الجو يفسر صعود اليمين المتطرف في أعرق الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة. ما يحدث اليوم من مشاكل لانتقال السلطة في الكونجو وزيمبابوي وجامبيا وكينيا وغيرها مقلق ويؤخر عملية التنمية في كل إفريقيا. هنالك عدوى تحصل وتنتقل من دولة إلى أخرى ولسنا بعيدين عنها عربيا. الفساد يزدهر في الدول الناشئة والنامية والأمثلة كثيرة أهمها في البرازيل وكوريا الجنوبية وفينزويلا. غياب الديموقراطية يؤدي إلى حروب إذ عوض أن ينتصر فريق على آخر في صناديق الاقتراع، يلجاؤن إلى الشارع المدمر للفوز على حساب الشعب والاقتصاد والحياة. بعض الحكام في الدول النامية لا يتحملون وجود معارضة بل يرغبون في القضاء عليها. فالحل يكون دائما بانفجار الأوضاع كما رأينا مع الربيع العربي وفي معظم دول إفريقيا. ما زال الخيار الديموقراطي في العديد من الدول النامية الخيار الثاني البعيد. الحرب السورية مدمرة ولا يستطيع الإنسان مشاهدة ما حصل في الداخل خاصة في مدينة حلب العريقة والجميلة. هل كان مستحيلا إيجاد الحل السياسي قبل الحرب؟ هل كان هنالك تقصير من قبل الجميع في الداخل والخارج؟ هل تستأهل السياسة في أي بلد تدمير الاقتصاد والإنسان للوصول إلى السلطة أو للحفاظ عليها؟ مشكلة هذه الحروب أن المواطن البريء هو الخاسر الأكبر، والخارج مهما تعاطف حقيقة أو تمثيلا لا يهمه إلا نفسه ولن يهتم بنا أكثر من اهتمامنا بأنفسنا. في لبنان، عانينا الكثير من الحروب الأمنية وما زلنا نعاني من الحروب السياسية لأن الديموقراطية الحقيقية غائبة. كل فريق سياسي يفتش عن مصالحه الضيقة دون النظر جديا إلى مصلحة لبنان. تجربة لبنان علمتنا، نأمل ذلك، أن الخلاف على أي موضوع مهما تفاقم لا يجب أن يصل إلى العنف والعبرة في تصرفاتنا. للحروب الأهلية أسبابها وتختلف من دولة إلى أخرى لكنها تؤدي جميعها إلى زيادة الكراهية بين الفرقاء المتحاربين. فالأسباب العرقية والدينية هي أقل مما يعتقده البعض. الأسباب الاقتصادية هي أهم كما تشير الدراسات الحديثة. البحبوحة الاقتصادية تؤخر أو ربما تمنع الحروب واذا حصلت لا تكون مدمرة وطويلة. من الأسباب الأخرى الظلم وضعف المؤسسات العامة ووجود الفساد في الأجهزة الرسمية من أمنية إلى قضائية وسياسية وإعلامية ومالية. المواطن العادي وخاصة النساء والأطفال هم الضحايا الأول كما تؤكد الحرب السورية. الهجرة عبر البواخر الصغيرة مؤلمة ولا يمكن تبريرها، لكنها تفسر معنى اليأس وفقدان الأمل بالمستقبل وعدم الرغبة في إعادة التجارب السيئة. من يعوض على هؤلاء الأبرياء المظلومين؟