المتابع للانتخابات الأمريكية عن كثب يلاحظ أنها أكثر الحملات الانتخابية إثارة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لكون المنافسة شرسة بين المرشحين وإنما الخطب الانتخابية تميزت بتصريحات وتهديدات نارية غير مألوفة في الحملات الانتخابية الأمريكية، تجاوزت بعضها الخطوط الحمراء في العلاقات الدولية، بل تعتبر من المحرمات في السياسة الأمريكية. المنافسة لا تزال في بدايتها والترشيحات لا تزال تنصب في صالح المرشحين حتى وإن كانت النسبة الأكبر قليلا تقف في صالح مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، إلا أن المرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب يتمتع أيضا بفرص كبيرة للفوز بمنصب رئيس أكبر دولة اقتصاديا في العالم. سأكتفي بالحديث عن تداعيات برنامجه السياسي على العلاقات الاقتصادية الدولية لبلاده. لقد عبر ترامب في أكثر من مناسبة في حملته الانتخابية عن عدم رضاه عن طبيعة العلاقة بين بلاده والحلفاء، حيث يعتقد أن حلفاء وأصدقاء أمريكا هم في الواقع مدانون لبلاده، بل هم السبب في تدهور الاقتصاد الأمريكي وارتفاع الدين العام فيه والذي يتجاوز 19 تريليون دولار وأصبح يشكل ما نسبته 105% من حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. لم يكتفِ ترامب بتلك التصريحات، بل ذهب أيضاً إلى القول إن هناك نزيفا ماليا كبيرا جدا ومزمنا في الخزانة الأمريكية ويجب أن يتوقف حالاً وغير ذلك لم ولن تستقر أمريكا اقتصاديا ولن تستطيع أن تحافظ على قوتها الاقتصادية والمالية والعسكرية. إن سبب هذا النزيف المالي في تصوره هو الحماية الأمريكية باهظة التكاليف للعديد من الدول الحليفة، والتي ليس لها أي عائد مالي للخزانة الأمريكية، فهو يطالب بضرورة إلزام تلك الدول بدفع هذه التكاليف الباهظة. فقد قال إنه وفي حال انتخب رئيسا قد يوقف أو يعيد النظر في الاتفاقيات الدفاعية المبرمة بين بلاده وتلك الدول. وفي إحدى خطبه الانتخابية قال: «نحن نحمي اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا ودولا خليجية وآخرين، لكنهم لا يدفعون لنا.. هم يدفعون ولكن ما يدفعونه هو أبعد من أن يغطي كلفة هذه الحماية». ترامب يتهم حلفاء بلاده الإستراتيجيين بعدم أداء التزاماتهم في حلف الناتو، حيث أشار إلى أنهم «لا يسددون حصتهم العادلة»، بل وصف هذا الحلف بأنه «عتيق» ولم يعد بنفس الأهمية التي كان عليها. كل هذه التصريحات والتهديدات قد تجاوزت الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية الأمريكية. يبدو أن المرشح الجمهوري ونظرًا للوضع الاقتصادي الأمريكي الهش يريد بهذه الرؤية أن يستبق الأمور لمعالجة الوضع الاقتصادي الأمريكي الصعب، وذلك من خلال إيجاد مصادر تمويل تغطي تكاليف التسليح الباهظة لبلاده والتي يقدرها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بحوالي 597.5 بليون دولار. فقد أشار إلى أن بلاده القوة العظمى في العالم لا تحصل على شيء مقابل ضمان الأمن وتقديم الحماية العسكرية لدول الناتو ودول أخرى، هو يهدد بإلزام تلك الدول بدفع حصتها أو الخروج من الحلف حتى وإن أدى ذلك إلى تفكك الناتو ووقف الحماية لهم. ما يريده ترامب حقا هو بقاء الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى اقتصاديا وعسكريا ومهيمنة على الاقتصاد العالمي على أكتاف الحلفاء وبتمويل عربي خليجي. ثم أنه من غير الصحيح أن ما يسميها ترامب بالحماية لحلفاء أمريكا كانت بدون عائد مالي للاقتصاد الأمريكي، فما هو إذن دور الهيمنة والحروب الأمريكية في ذلك؟ ولماذا لم يذكر الكيان الإسرائيلي وهو أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية بما يصل مجموعه إلى 121 مليار دولار؟.