توقعات حذرة

مع المفاجأة التي عاشتها الأسواق النفطية بسبب جائحة الكورونا التي أدت إلى تعطيل الكثير من الأنشطة الاقتصادية وانعكاس ذلك على الطلب ومن ثم على الأسعار، فإن الانفتاح التدريجي لتلك الأسواق قوبل بترحيب حذر من قبل الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الدوري الأسبوع الماضي، إذ يظل الاحتمال قائما ورود موجة ثانية من جائحة الكورونا، وعليه يصبح السؤال عن كيفية التعايش مع هذا الوضع في غياب مصل أو علاج مجرب لفيروس الكورونا. يتوقع للطلب العالمي أن يتراجع بحوالي 7.9 مليون برميل يوميا، أو ما يعادل 8 في المائة بالنسبة لكل العام، ويبدو أن الطلب على بعض المشتقات مثل وقود الطائرات والبنزين سيكون الأكثر تعرضا للتراجع، لكن يبقى هذا الرقم أفضل من التقدير الأولي الذي بلغ 8.3 مليون. عمليات خفض الإنتاج التي شاركت فيها 23 دولة من داخل وخارج أوبك وبنسبة بلغت 108 في المائة، مما أدى إلى تراجع الإنتاج إلى أقل معدل له في غضون تسع سنوات. على أن الربع الثاني من هذا العام شهد تغيرا في الاتجاه فالإمدادات زادت 400 ألف برميل يوميا إلى 92.1 مليون برميل يوميا، ورغم ذلك تشير التقديرات إلى أن وضع الطلب في العام المقبل سيكون 2.6 مليون برميل أقل مما كان عليه في العام الماضي. وإذا كان العالم يتجه للتعايش مع فيروس الكورونا لصعوبة الاستمرار في الإغلاق الاقتصادي للأسواق والحركة العامة وبدون معرفة أين وكيف يمكن أن تستقر الأمور مستقبلا، فإن هذا يضيف عنصرا مستمرا من حالة عدم الوضوح لابد من وضعه في الاعتبار. وفي واقع الأمر فإن حالة عدم الوضوح ظلت هي العنصر المهيمن بسبب تشابك العديد من العوامل الأمنية والسياسية والاقتصادية، الأمر الذي يؤثر على وضع العرض والطلب الذي يتأثر كذلك بالأوضاع الداخلية في كل دولة منتجة ومصدرة للنفط. فمثلا في الأسبوع الماضي عادت الأنظار لتتركز على ليبيا التي وصل فيها الصراع السياسي والعسكري إلى قمم جديدة تنذر بحسم من نوع ما في جانب وباحتمال دخول ليبيا في مرحلة من المواجهة المفتوحة بين الأطراف المتصارعة بامتداداتها الإقليمية، الأمر الذي سينعكس تلقائيا على صناعتها النفطية رغم الجهود المبذولة لإبقاء النفط متدفقا للحصول على العائدات اللازمة للتمويل. فالإنتاج النفطي الليبي الذي كان في حدود 1.6 مليون برميل يوميا قبل اشتعال الثورة ضد نظام القذافي استقر مؤخرا في حدود 600 ألفا، لكن من المتوقع تحقيق زيادة في الإنتاج النفطي الليبي بحوالي 300 ألفا بنهاية هذا العام. تبقى الملاحظة الأساسية أنه حتى التحسن المتوقع فإنه سيكون في اتجاه إعادة وضع الطلب إلى ما كان عليه قبل جائحة الكورونا وحرب الأسعار، وأهم من ذلك فإنه يحتاج إلى استمراره لفترة أطول ليحدث التأثير المطلوب.