مشاهدات وقراءات من إسبانيا

يفيض شارع لارامبلا - بالبشر من مختلف الجنسيات، وتنتشر في ممراته الواسعة المقاهي والمطاعم الحديثة والفنادق والنزل القديمة والمحلات والأسواق التي تبيع مختلف السلع والمقتنيات والحرف التي يعشقها السياح، أما سوق الفواكه والخضروات (لابو كويرا) او سوق القديس يوسف لابو كويرا الذي أنشئ في ١٩ مارس ١٨٤٠م، واستغرق بناؤه (قرابة أربع سنوات)، ذي النمط المعماري الشعبي الذي يتوسط الشارع ويستقطب السياح بكثافة، فيعرض اللحوم والأسماك المجففة والمكسرات والحلويات والزعفران والفواكه والخضروات التي تنتجها مزارع ومصانع إسبانيا، حركة البيع والشراء نشطة، وعلينا أن نقف في طابور طويل أمام المحاسب كلما فكرنا في احتساء فنجان قهوة أو شراء قنينة ماء. ولا تشعر الباصات السياحية وهي تملأ أحشاءها بالسياح وتلفظهم في عشرات المحطات والمواقع الحيوية والمركزية بالوهن والتعب، إنها تسابق ساعات النهار صباحه ومساءه لكي تفي بوعدها في نقل الآلاف منهم الى عشرات المواقع السياحية المنتشرة في مركز المدينة ومحيطها.  اللغة الرصينة والبليغة والشرح الدقيق المفصل لكل معلم من معالم المدينة، تاريخ بنائه والغرض منه، والمراحل التاريخية والتطورات التي مر بها، والدلالات التي يحملها كل جزء من أجزائه، وإلى أي فترة تاريخية ينتمي، والمهندس المعماري الذي أعد تصميمه...بهدف توثيق وتبجيل العلماء من الفنانين والمفكرين والمعماريين والسياسيين، والتاريخ والتراث، والتقدم الذي تشهده اسبانيا في مختلف المجالات، والترويج بكل اقتدار للبلاد سياحيا، تقدم للسائح في برشلونة والمدن الإسبانية الأخرى بثمانية عشرة لغة منها العربية في الباص السياحي الذي تكلف تذكرته ٣٠ يورو، وفي ظل الازدحام الهائل وعشرات الباصات السياحية التي تجوب المدن والأماكن السياحية فلنتخيل حجم الدخل من السياحة؟ إنه عالم يتفوق علينا بأشواط في الاستثمار السياحي والقطاعات الأخرى، إنه العالم المنتمي إلى القوة الاقتصادية المتقدمة في كل شيء وحق لهم ذلك بالتخطيط والعمل والبناء المحكم للمستقبل. السوق المركزي - الذي يعود بناؤه الى العام ١٩٤٠م ويعتبر أحد أقدم أسواق أوروبا التي ما تزال تعمل – مباني الأوبرا والفنون والحضارة الإنسانية والقصور والكاتدرائيات والمؤسسات الحكومية جميعها تعبر عن الفخامة والرقي والإبداع والجمال والأبهة وتقدم لقوة الدولة في الماضي وتاريخها العريق، وتشي باهتمام الإسبان بالثقافة والفنون والبحث العلمي والتاريخ، وحيازة مكانة معتبرة في مصاف الدول والأمم المتقدمة، وتتحدث بلسان فصيح عن الإنجاز الإنساني المتراكم عبر الأجيال والقرون ومكتسبات الأمم، التي تفاخر وتباري وتنافس بها، واستثمرت في تحقيق عوائد مجزية في قطاع السياحة. فأين موقعنا نحن العرب اليوم في مصاف الأمم والشعوب؟ ألا نشعر بالغيرة المحفزة والدافعة، ألا يعني لنا شيء هذا التنافس الشرس بين الأمم الحية لتحقيق التقدم وحجز مواقع رفيعة في سباق المعرفة والإبداع والصناعة وبراءة الاختراع والقوة؟ إلى متى سنظل في خانة المتخلفين وفي ذيل القائمة نستهلك ولا ننتج، ونعتمد على الآخر فيما نهدر طاقاتنا وطموحاتنا وتطلعاتنا، وندمر ما بناه وأنجزه الأولون بدلا من أن نحافظ عليه ونضيف عليه ونتقدم به؟ الأسئلة كثيرة والغيرة شديدة والأزمة عميقة، ولا نملك الا الأمل، فـ (العمر يهرم) وتبقى (الآمال ولدان). الشوارع هنا فسيحة وانسيابية وقادرة على امتصاص عدد السيارات الكثيفة، ووسائل النقل الأخرى تسهم في تقديم خيارات عديدة للسكان والسياح على السواء.