مستقبل الإنسانية المشترك

يعكس اختيار النسخة الحادية والعشرين من منتدى الدوحة هذا العام، رسالة قطر العالمية بدعم العمل الدولي متعدد الأطراف، فقطر تؤمن أنه ليس بمقدور أي دولة أن تقوم بجهودها الريادية على نحو منفرد، إنما يتطلب الأمر جهدا جماعيا متناسقا تساهم به جميع الدول. وقد أظهرت سياسات قطر الرامية إلى حل كافة القضايا في العالم عن طريق الحوار، وجهودها الدولية المقدرة في مجال الوساطة، قدرة الدولة ومرونتها ودورها الريادي على القيادة والتعاون الدوليين، من أجل حل كافة القضايا الإقليمية أو الدولية ومعالجة الأزمات والتخفيف من وطأتها قدر المستطاع، وهو ما يصبو إليه منتدى الدوحة الذي يعكس التزام الدولة وتوجهاتها الداعمة للحوار من أجل السلام والاستقرار والتنمية، واعتماد سياستها الخارجية على مبدأ الحوار في حل القضايا والصراعات والأزمات. ويعد منتدى الدوحة أكبر منصة عالمية للدبلوماسية والحوار والتنوع تجمع قادة السياسة لمناقشة التحديات الملحة التي تواجه عالمنا، ويهدف لتعزيز الحوار، وتبادل الأفكار، وصنع السياسات، وتقديم التوصيات القابلة للتطبيق، كما يعد منصة قطرية تفتح باب الشراكة والتفاعل الدبلوماسي العالمي لتجاوز التحديات وبناء علاقات أوسع وعقد شراكات تساهم في تحقيق التنمية المستدامة لكافة الشعوب وإرساء عالم أكثر سلاما وعدلا واستدامة، ضامنا لمستقبل تتطلع إليه جميع الأجيال. كما أن قطر تواصل من خلال هذا المنتدى دورها كوجهة رائدة للفعاليات العالمية الكبرى، بما فيها المؤتمرات والندوات والمنتديات العالمية، حيث يعكس سعي دولة قطر لاحتضان مثل هذه الفعاليات ورعايتها، حرص القيادة الرشيدة على مشاركة العالم في طرح قضاياه المصيرية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، واقتراح الحلول لمعالجتها، لاسيما فيما يعنى بقضايا تتعلق بقضايا الشأن الدولي. ويتزامن انعقاد منتدى الدوحة في نسخته الـ21 مع زيادة حدة الخلافات والنزاعات العالمية، واندلاع الصراعات في العديد من الأماكن في العالم، وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي على غزة وما ألحقه من دمار شامل للقطاع وقتل متعمد للمدنيين، ويتزامن أيضا مع زيادة التحديات المتعلقة بأمن الطاقة والأمن الغذائي واضطراب سلاسل التوريد حيث يواجه العالم الكثير من النزاعات المسلحة، كما هو الحال في الحرب الروسية الأوكرانية، والتهديدات الإلكترونية والتطرف المتصاعد والانتشار النووي والآثار المتزايدة للتغير المناخي، ومعاناة الملايين حول العالم من الفقر والتهميش والحرمان وعدم المساواة بين الشمال والجنوب في التنمية والفرص الاقتصادية والتعليم الجيد. ويأتي انعقاد النسخة الـ 21 من منتدى الدوحة ليجسد من جديد وبشكل جلي المكانة الدولية المتميزة التي تحتلها دولة قطر في شبكة العلاقات الدولية، وقدرتها الفائقة على توفير ساحات مفتوحة وملائمة للحوار وتبادل الأفكار بحثا عن حلول للتحديات العالمية المختلفة، وقد أثبتت العقود الأخيرة نجاح قطر بتفوق في هذا المجال وما زالت تسير على نفس النهج. حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، أوجز ما يرمي إليه المنتدى في نسخته الـ21، في منشور عبر حساب سموه الرسمي على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" حيث قال سموه "افتتحت اليوم منتدى الدوحة 2023 تحت شعار معا نحو بناء مستقبل مشترك، ونأمل أن يسهم في إثراء النقاش بين القادة وصناع القرار من مختلف المشارب بما يقود إلى مقترحات وحلول ملموسة للتحديات المعقدة لعالمنا. مستقبل الإنسانية المشترك رهين بالاستقرار والأمن وحق الجميع في الوجود". وانطلاقا من "مستقبل الإنسانية المشترك رهين بالاستقرار والأمن وحق الجميع في الوجود"، يمكن تسليط الضوء على أهم أهداف المنتدى، وهي الأزمة التي يعيشها العالم حاليا، ومن المؤكد أن المنتدى سيكون ثريا بالنقاشات حول مستقبل الإنسانية، وهو ما يؤكد أن مخرجات منتدى الدوحة باتت خطوطا عريضة ومؤشرات بارزة وبرامج عمل للتحركات الدبلوماسية الكفيلة بمعالجة المشكلات والتحديات، كما باتت هذه المخرجات تمهد الأرضية والطريق لإيجاد أفضل الحلول للقضايا والأزمات التي تؤرق العالم وتهدد حياة الملايين من أجل العبور بالبشرية إلى بر الأمان. وانطلاقا من تلك المخرجات، نجد أن دور دولة قطر لا يقف عند تشخيص الأزمات ونقدها والإشارة إليها، بل تساهم قولا وعملا من خلال سياستها القائمة على احترام القانون الدولي والشرعية الدولية بالسعي لحل النزاعات سلميا عبر الوساطة وتوفير فضاء للحوار من خلال العديد من المنصات، واستضافة الكثير من المؤتمرات الدولية الهامة المعنية بمعالجة أبرز الأزمات والتحديات المعاصرة. وبالاستناد إلى ما قاله حضرة صاحب السمو، والموضوعات التي تمت مناقشتها خلال جلسات المنتدى، فإن القضية الفلسطينية حاضرة دائما في كافة المحافل الدولية التي تنظمها أو ترعاها أو تشارك فيها قطر، وهو ما أكده أيضا معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في كلمته أمام المنتدى، والتي أشار فيها إلى أن ما يحدث في غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، يدفع الشعوب الحرة حول العالم إلى توجيه أسئلة مشروعة حول ماهية النظام الدولي، وفاعلية أدواته القانونية، وصدق مبادئه، وقال معاليه "هذه الأسئلة تزداد إلحاحا مع تزايد المشاهد المؤلمة، التي ربما نشيح بوجوهنا عنها من فظاعتها، ولكنها واقع يعيشه مليونان وثلاثمائة ألف إنسان كل يوم منذ أكثر من 60 يوما". منتدى الدوحة، الذي شهد دورته الأولى عام 2001، بات منصة مهمة للحوار المختص بصناعة السياسات العالمية للالتقاء وتبادل الأفكار، والعمل على إيجاد حلول لأهم القضايا الراهنة في العالم، مع تنوع وجهات النظر، حيث استطاعت الدوحة أن تكون وجهة للحوار المفتوح من خلال المبادرات والمنتديات المختلفة التي تحتضنها. ومن شأن المنتدى في دورته الحالية تعزيز الحوار البناء والفعال وذلك انطلاقا من رؤية قطر في حل المشكلات وتجاوز التحديات عبر الحوار، فنجاحاته منذ تأسيسه ظلت تتوالى وتشهد أعماله زخما دوليا ورغبة مشتركة لمعالجة التحديات التي تواجه العالم، وبناء علاقات وعقد شراكات تسهم في تطوير مفاهيم مشتركة، ما جعل الدوحة عاصمة للحوار الحضاري المتجدد، وليصبح المنتدى على مدى أكثر من عقدين منصة عالمية للدبلوماسية والحوار والتنمية. ومن المؤكد أن مخرجات المنتدى ستكون أيضا حافزا لتكثيف الجهود المخلصة في وضع تصورات جديدة للنظام الدولي، تتناسب مع ظروف عالم اليوم، والتخلي عن حسابات الماضي التي خرجت من حيز الواقع، والبدء في بناء المستقبل بمراجعة شاملة للنظام الدولي والإنساني.