الفضاء بين العام والخاص

ما الهدف الحقيقي من تنفيذ مهمة «أبولو 11»؟ كان السوفيات متقدمين في الاستثمار الفضائي ولم يكن بإمكان الأمريكيين تركهم ينتصرون. عندما أعلن الرئيس كينيدي في 1961 عن نية الأمريكيين الهبوط على القمر قبل نهاية العقد، لم تكن الجهات المعنية جاهزة بل تحداها في تنفيذ المهمة. الرغبة في الفوز على السوفيات كانت أهم للأمريكيين من اكتشاف القمر. تنفيذ مهمة «أبولو 11» في سنة 1969 كان مقدمة للانتصار السياسي على السوفيات في سنة 1989. السباق على الفضاء لم يعد اليوم أمريكيا – روسيا وإنما أمريكي – صيني – هندي. وضعت الصين في 2019 أجهزة في الجانب المخفي من القمر وهذا ما لم تصل إليه الولايات المتحدة بعد. المنافسة الصينية دفعت الرئيس ترامب إلى المبادرة في تنشيط الإنفاق الفضائي لأنه لا يريد الفوز على الصين فقط في التجارة وعلى الأرض وإنما في الفضاء أيضا. سيذهب الأمريكيون مجددا إلى القمر قبل سنة 2024 أي قبل انتهاء الولاية الثانية للرئيس ترامب ويتابعون اكتشاف المريخ وربما بعض الكواكب الأخرى. سيحاول الأمريكيون وضع محطة دائمة على القمر تسهل الزيارات وتجعلها دورية أكثر خاصة اليوم بعد الاهتمام المتزايد بالموضوع من قبل القطاع الخاص. الإنفاق على الفضاء عاد بقوة بتشجيع من المجتمع العلمي وبفضل المنافسة والرغبة في الفوز وترك البصمات الإنسانية للتاريخ وللمستقبل. ما هي الجدوى الاقتصادية للإنفاق على الفضاء والتي تحمس دافعي الضرائب على التمويل في زمن الشح المالي والأزمات؟ هنالك قطاعات كبرى استفادت من الإنفاق الفضائي أهمها الجامعات وكليات الهندسة والمعاهد التقنية والمختبرات، وأخرى تطورت في مقدمتها الاتصالات والإلكترونيات والفيزياء والأرصاد الجوية وعلوم الأرض والمياه. لا شك أن الصحة والبنية التحتية والقطاعات التعليمية والبحث والتطوير استفادت كلها. توسع فكر الإنسان كثيرا بفضل النظر إلى ما بعد الأرض. اهتمام القطاع الخاص بالفضاء مهم وله دلالات، المهتمون هم على الأخص «الون ماسك» (سيارة تسلا) و«جيف بيزوس» (أمازون) و«ريتشارد برانسون» (فيرجين) وينفقون الكثير في هذا الاتجاه بانتظار الربح المالي المستقبلي. مستثمرون يتمتعون بالرؤية والشجاعة والتاريخ الناجح. سيستثمر بيزوس وهو الأغنى في العالم مع ثروة تقدر بـ 131 مليار دولار في القمر أي سينقل إليه الصناعات الملوثة لحماية مستقبل الأرض والإنسان، بينما يركز ماسك صاحب ثروة 22 مليار دولار على المريخ. لبرانسون أهداف متعددة بين الأرض والفضاء. سيظهر قريبا مستثمرون آخرون وربما خليجيون يسابقون الثلاثة في الوصول التجاري إلى الفضاء الواسع. من دون «أبولو 11»، كان العالم سيختلف، أي التقدم التكنولوجي أقل بكثير وقوة العالم الغربي وخاصة أمريكا أقل وكان من الممكن أن يكون الوضع السياسي والأمني أخطر. الثورة التكنولوجية التي سببها الإنفاق على الفضاء طورت تقنيات الأمن والبحث، كما استفادت منها حتى الموسيقى والعلوم المختلفة. الآداب تغيرت بفضل الإنفاق الفضائي، ربما أصبحت أقل رومانسية لكن مع واقعية أكبر ودقة أكثر ووصول أسرع إلى عقل الإنسان.