الطريق إلى الطريق

لا شك أن طريقة احتساب الزمن المعرفي الآن مختلفة عما كانت عليه قبل ألف عام على سبيل المثال، فقد كان عالم الفيزياء أو الكيمياء أو حتى عالم الحديث «الذي يجمع الأحاديث النبوية ويوثقها» أو أي عالم أو باحث، بحاجة إلى أضعاف كثيرة من الوقت الذي يحتاجه أي باحث في أي مجال في زمننا الراهن وذلك بحكم توفر الكم المعلوماتي اللامتناهي بواسطة التقنية الحديثة وسهولة الوصول إلى المعلومات، كما ونوعا وتحليلا، وهذا يندرج برأيي تحت فكرة النظرية النسبية لأينشتاين، فإذا جاز احتساب وحدات المعرفة نسبيا بوحدات الزمن، عليه فإن معرفة وعمر باحثي اليوم أضعاف معرفة وعمر باحثي الماضي مع الأخذ بعين الاعتبار مقدار ما يكرسه باحثو اليوم من وقت للاطلاع والدراسة ومقارنة الآراء. إذا السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يقع الآن العالم بأزمات اقتصادية خانقة وأزمات أخلاقية معقدة على الرغم من التوفر الكمي والنوعي للمعلومات كما ذكرنا سالفا؟ والسبب هنا واضح جدا وهو الزيادة الكبيرة جدا وغير المسبوقة في تاريخ البشرية في عدد السكان، فخلال آلاف السنين السابقة وبالتحديد حتى بدايات 1820 ميلادية كانت أعداد البشر على الكوكب لا تتجاوز الـ 370 مليون نسمة وذلك حسب تقديرات المكتب الأمريكي للإحصاءات التاريخية، وقفز فقط خلال المئتي عام السابقة ليصل إلى أكثر من 7 مليارات نسمة في عام 2012 حسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان مع معدل زيادة سنوي يصل إلى 79 مليون نسمة سنويا، وهذا أيضا يندرج تحت النظرية النسبية فيما يتعلق بزيادة نسب الزيادة المطردة للسكان. وبالدمج بين الفكرتين السابقتين، فكرة تعاظم المعرفة باختلاف وحدات الزمن وفكرة اختلاف نوع وحجم التحديات الحاضرة أمام أصحاب القرار باختلاف عنصر الإنتاج والاستهلاك الأساسي وهو عنصر الإنسان، يمكن أن نستنتج ما يلي: إن القواعد والقوانين الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي وضعت في الماضي والتي بقيت فعالة ومفيدة على مر آلاف السنين من عمر البشرية كانت فعالة بحكم عدم وجود تغير أساسي في عنصري الإنتاج والاستهلاك والبنية الاجتماعية على مر آلاف السنين، وأن هذه القوانين في كل المجالات لم تعد صالحة الآن وأيضا بشكل نسبي، كما أشرت سالفا. السؤال الثاني المهم جدا هنا هو: لماذا يتمسك أصحاب القرار الاقتصادي العالمي على وجه التحديد بتلك القوانين والسياسات القديمة والتي تسلسلنا سابقا بعدم فاعليتها مع تحديات الحاضر؟ والجواب هنا بسيط، هو أن أصحاب القرار الاقتصادي العلمي في حلف مع صناع السياسات الدولية وقد أتوا بشكل متوارث من نفس الجهات صاحبة الثراء على مدار القرنين الماضيين، وأن هذه السياسات تم تعديلها على مدار تلك الفترة لتحافظ على تركز وتنمية الثروات لدى نفس الجهات المتحكمة بالقرارات والسياسات المالية. والنتيجة من التحليلات التسلسلية السابقة كما آراها هي أن الطريق للإصلاح الاقتصادي العالمي موجود وواضح من خلال عمليات إعادة الهيكلة القانونية للسياسات المالية والاقتصادية العالمية ولكن حتى الآن لم يتم العثور على الطريق المؤدي إلى ذلك الطريق، وكلما اعترض أحد على علماء أو مفكري الماضي بشتى العلوم والتخصصات اتهم بأنه معاد للتراث ومنقلب على التاريخ، أقول كل التقدير لكل من أضاف خيرا للإرث البشري في كل زمان، ولكن ليس العلم ولا المعرفة حكرا لأحد على أحد أو لزمان على زمان.