هل المصاب بمرض نفسي أو عاهة عقلية مسؤول جنائيا؟

من الطبيعي أن أي شخص ثبت ارتكابه لجريمة ما يعاقب وفق النصوص القانونية المنظمة لذلك، ويلزمه تنفيذ العقوبة المقررة في حقه بموجب حكم المحكمة الذي قضى بإدانته، ولا يتساوى أمام القانون كل شخص ثبت ارتكابه فعلا جرميا بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو دينه أو أي اختلاف آخر إلا ما تم التنصيص عليه كاستثناء بموجب القانون، ولكن هنالك أشخاص يأتون أفعالا مجرمة بحكم القانون لكن قواهم العقلية أثناء ارتكاب تلك الأفعال لا تكون سليمة، أو يكون إدراكم للأمور مخالفا لإدراك الشخص العادي، أو لا تكون لديهم سيطرة على تصرفاتهم بشكل يسمح لهم تحمل النتائج المترتبة عنها. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص يكون من غير المنصف معاملتهم معاملة الأشخاص العاديين، واعتبارهم مرتكبين أفعالا جرمية يستحقون القصاص وفق الطرق التي يعاقب بها الشخص العادي ذي قوى عقلية سليمة، وفي المقابل يكون من غير المنصف كذلك التحجج بالإصابة بمرض نفسي أو عاهة عقلية للتملص من التبعات القانونية لارتكاب الجريمة وهدر حقوق المجني عليهم، مع المساهمة في تفشي الجريمة تحت ذريعة عدم الإدراك والوعي. لذلك نجد المشرع الجنائي في قانون الإجراءات الجنائية قرر نصوصا بشأن المتهمين المصابين بعاهة عقلية أو مرض نفسي تتحقق بها غاية الردع والحد من الجريمة وفي نفس الوقت تراعي الطبيعة الإدراكية لهذه الفئة من المتهمين. وبمطالعة المواد من 209 إلى 212 فإن أي متهم بارتكاب جريمة سواء خلال مرحلة التحقيق أمام النيابة العامة، خلال محاكمته أمام الهيئة القضائية وتبين عليه إصابته بمرض نفسي أو عاهة عقلية واستدعى الأمر فحصه من أجل التأكد من ذلك، جاز لكل من النيابة العامة أو هيئة المحكمة حسب الأحوال أن تأمر بوضعه في مأوى علاجي من الأمراض العقلية أو النفسية، وذلك من أجل ملاحظة مدى ثبوت إصابته من عدمها، وذلك لمدد متعاقبة حددتها المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية في إجمالي خمسة وأربعين يوما، على ألا تزيد كل مدة عن خمسة عشر يوما فقط، وذلك عقب السماع لأقوال النيابة العامة ولمحامي المتهم كذلك. ويعتبر إيداع المتهم المصاب بعاهة عقلية أو مرض نفسية بمأوى مخصص للعلاج من ذلك بمثابة عقوبة تحتسب من مدة العقوبة المقررة له بسبب إسناد الجريمة إليه، فإذا كانت العقوبة المقررة مثلا شهرين سجنا نافذا، فإن مدة الخمسة وأربعين يوما التي يقضيها المتهم في المأوى العلاجي تحتسب من مدة الشهرين المذكورة. وفي حال طرأ بعد وقوع الجريمة إصابة المتهم بعاهة عقلية أو مرض نفسي أمرت النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال وقف رفع الدعوى والمحاكمة لحين زوال الإصابة، ويودع المتهم بمأوى علاجي للأمراض النفسية والعاهات العقلية وفق المدد المذكورة سابقا والتي لا تتجاوز في جميع الأحوال مدة خمسة وأربعين يوما، لكن ذلك لا يمنع من استمرار التحقيقات والإجراءات المستعجلة التي يؤثر وقفها في الوصول إلى الحقيقة. وعلى العموم فإن المصابين بعاهات عقلية أو أمراض نفسية غير مستثنين من العقاب في حال ارتكاب الجرائم، لكن إجراءات عقابهم والتدابير المتخذة في حقهم تراعي طبيعة عدم وعيهم التام وعدم إدراكهم الفعلي لتصرفاتهم والنتائج المترتبة عنها.