في كل مناسبة دولية حميدة دعوة للتوقف أمام أبعاد موضوعية وتفاصيل حياتية، الاهتمام بها علامة صحة النفس، وتوقُّد الذهن، واحترام لكون الزمن كما يقول حكيم (هو المادة التي تُصنع منها الحياة..) وعندما يتفق العالم كله عبر منظماته على قيمةٍ إنسانية وحياتية وأخلاقية، ويدعو للاحتفاء بها فإن تجاهلها يعكس إحدى صور العدمية في ممارسة الحياة. ومع أن الرياضة بمعناها التنافسي لم تتوقف تقريبا على مستوى العالم رغم كابوس كوفيد 19 وموجات تهديداته المتلاحقة إلا أن ما لفت نظري في يوم 6 أبريل الجاري وما قبله وما بعده من الأيام هو غياب مظاهر الاحتفاء باليوم العالمي للرياضة من أجل التنمية والسلام، وإن حدث تذكير به هنا أو هناك فَمِن باب الاستثناء الذي يؤكد قاعدة التغافل أو الجهل بأهمية هذه المناسبة، عنوانا وتفاصيل ورموزا. صحيح أن الجائحة الفيروسية سيئة السمعة عقَّدَت الحياة الاجتماعية والرياضية ولكن.. من قال بأن يوم الأمم المتحدة للرياضة لا يستحق الاستفادة منه في التوقف الطويل الذي يُذكِّر بحاجة مجتمعاتنا العربية تحديدا لتجديد انتمائها إلى الرياضة والتحليق بجناح التنافس من أجل البطولة وجناح النشاط البدني من أجل الصحة.. إقرار الأمم المتحدة ليوم عالمي للرياضة من أجل التنمية هو دعوة البشرية إلى اليقين بأن الرياضة لم تعد قيمة ترفيهية وجمالية فحسب، وإنما ضرورة حياتية.. والرياضة إجمالا هي في أحد تعريفاتها (التعبير الحركي للمخ) وتحوُّلها إلى أسلوب حياة يجعلها رافعة لقيم بشرية محترمة، تتجاوز حسابات المكسب والخسارة إلى قضايا أخرى تجعل منها واجبا وفرضا على كل إنسان. إنَّها أكبر من ملاعب وصالات تصنع البهجة والفرح والحياة التنافسية الزاهية الملونة إلى ما هو أكبر. إنها البوابة إلى إنسان صحيح قادر على العمل والإنجاز.. وجندي متسلح بكفاءة الذود عن حمى الوطن.. ومواطن لا يقضي حياته متوجعا لأنه لا يمارس غير رياضة التنقل بين المشافي وعيادات أطباء النفسيات المتعبة والأبدان المنهكة..! إن يوما دوليًّا للرياضة هو يوم لِتذكّر أن الرياضة لغة عالمية تقفز على الحدود والثقافات والأجناس.. ونرى ذلك بوضوح في لهجات ومسحات وجوه لاعبي أندية ومنتخبات يستمدون من ممارساتهم الرياضية التنافسية ما هو أهم من اللعب، وأهم من حسابات الفوز والخسارة.. إنه التسليم الجماعي الجميل بأن لا أحد فوق قوانين اللعب.. وأن التنافس عدالة وبناء للقدرات، وتَعلُّم الصبر والطموح، وصفاء الذهن، وإجادة المواءمة بين تحقيق الطموح الرياضي الشخصي وعدم القفز على جماعية الأداء والروح التعاونية، حيث الفريق الناجح هو من يمتلك أفراده القدرة على تطبيق مفهوم (الكل في واحد والواحد في الكل..) وهو الإبهار الرياضي التنافسي التي يذكي خيال اللاعب في الميدان والمشجع في المدرجات، وفيه ما يفرض التأكيد في صحيفة "لوسيل" الغرَّاء المهتمة بالشؤون التنموية والاقتصادية على أن النشاط البدني الذي تدعو منظمة الصحة العالمية لممارسته بشِقَّيه المعتدل والساخن يجعل من الرياضة البدنية استثمارا في إنسان قوي منتج، يستوعب متطلبات الحاضر واستحقاقات المستقبل، ويعترف بكون الرياضة صارت ضرورة حياتية وأكبر من مجرد ترفِيه مثير ينتزع آهات وصرخات مشجعي المدرجات..!