ندرك أن القرارات تتخذ بناء على معطيات تصب في الصالح العام، سواء كان للفرد أو لما يمثله من مؤسسة أو أكبر من ذلك، والطرح البسيط الذي أود الإشارة إليه هو كيفية الحكم على صحة القرارات إذا ما أضرت أو تعارضت مع مصلحة متخذ القرار لصالح طرف آخر وأعني هنا إضرارا وجوديا وليس ثانويا، والمعنى البسيط لذلك أن متخذ القرار لا يمكن فطرة أن يتخذ قرارا وجودياً سلبياً تجاهه، وهذا يجب أن يكون مُسَلما به لأن أي ادعاء غير ذلك سينافي الفطرة، وبالمحصلة فإن كل القرارات الفردية والمؤسسية والدولية هي قطعا تتقاطع مع تلك المصالح.
والصورة الصريحة تقول إنه لو كان القرار لك أن تفنى أنت أم العالم فماذا سيكون الرد. أعلم أن الطرح فلسفي معقد ولكن تلك هي آلية الحكم على الأمور لاسيما الوجودية والمصيرية منها، وهذا يدفعنا لمراجعة صحة ومسؤولية كل القرارات التي تم اتخاذها سابقاً ويقع تأثيرها الآن علينا بشكل فردي أو جماعي، مؤسسي أو مجتمعي، وإعادة صياغة وتشكيل تلك القرار بما يحقق التوازن المصلحي، كما يقود الطرح أيضاً إلى إعادة التفكير الجذري في آليات توزيع السلطة بين فكرة النظام المؤسسي المعتمد على الإجراءات والنمطية من جهة ومن الجهة الأخرى حرية التفرد بالقرار ومساحة السلطة غير المرجعية التي يستطيع فيها الفرد الاستقلال برأيه وفرضه على النظام، وفي هذا الإطار دعونا نعيد الطرح الأساسي محل التحليل وهو العلاقة المجردة بين الفرد الواحد بشكله المستقل المطلق وبين العالم لكل موجوداته من مجتمع وأنظمة وبشر ومخلوقات أخرى، وهل إن هذه العلاقة هي علاقة تكاملية أم تنافسية أم وجودية، والحقيقة هي أن علاقة كل واحد منا مع العالم المحيط به هي مزيج مختلط من بين هذه الأشكال ولكن بنسب متفاوتة ودقيقة وأي تغيير في هذه النسب بين الصالح الخاص والعام يؤدي إلى إحداث حالة عدم اتزان بل إلى حالة من التخريب والأنانية السلبية والعكس صحيح. أخيرا إن كل فرد منا هو عالم متكامل مستقل بذاته له متطلباته ومصالحه ومشاكله ولكن هذه العوالم التي تمثلنا جميعا لا يمكن لها الاستمرار بالعيش إلا من خلال التقاطع والتفاعل مع الجميع، لذا وجبت متابعة وتحديث وصيانة العقد الاجتماعي الذي يضمن توازن المصالح والتفاعل بين الأفراد بعضهم مع بعض وبين الأفراد والنظام العام في المجتمع، وإلى ذلك الحين تحية وإلى لقاء.