يهدف الاقتصاديون إلى استعمال كل المعلومات والوسائل المتاحة للوصول إلى النتائج الفضلى أي تحسين أوضاع المجتمعات. يتكل الاقتصاديون على معايير بسيطة ضمن أطر متفق عليها بين الجميع أي مثلا قانون العرض والطلب، الندرة والمنافسة، وسائل الإنتاج والاستهلاك، الأسعار والتكلفة. تفعيل هذه المعايير يحتاج إلى اعتماد تكنولوجيات قوية أي خاصة اليوم الذكاء الاصطناعي. القوانين الاقتصادية لن تتغير وتستمر منذ قرون، لكن الوسائل الجديدة للتفعيل ضرورية كثيرا. شركات عالمية عديدة مثل "أمازون" نجحت في تخفيض تكلفة عملها عندما استعملت الذكاء الاصطناعي أي استفادت من بيانات الماضي للتنبؤ بالمستقبل. غيرت طريقة عملها لأنها أصبحت تتوقع تصرفات عملائها وبالتالي ترضي الطلب حتى قبل أن يأتي. حولت أمازون نظام عملها فأصبحت تسوق مباشرة أي ترسل السلعة إلى المستهلك حتى قبل أن يعلن عن رغباته. تعرف المستهلك جيدا من تجارب الماضي وبالتالي تعلم ماذا يريد. الأخطاء دائما ممكنة لكنها مدروسة ولا تؤثر على ربحية الشركة ونوعية خدماتها. تغيرت طريقة عملها بل تحولت من شركة تقليدية إلى رائدة، فالذكاء الاصطناعي غيَّر الشركات ومن المتوقع أن يغير المجتمعات تبعا للحاجات والأفضليات والفرص كما تبعا للعقليات. يسمح الذكاء الاصطناعي بتطوير التنبؤات وبالتالي يؤثر على التصرفات والقرارات. الإحصائيات مهمة للعمل في القطاعين العام والخاص، لكن الأهم أن تكون صحيحة كي تكون القرارات صائبة وفاعلة. يقوم الذكاء الاصطناعي بتحقيق التجارب العلمية والعملية معتمدا على الإحصائيات، لذا تحسين التوقعات هي عملية معقدة لأنها تعتمد على وجود بيانات صحيحة ودورية وعلى حواسب وبرامج علمية تستفيد من الاثنين لتحسين الأداء وتطوير النتائج. إنتاج البيانات الكاملة والصحيحة أصبح أسهل اليوم وأقل تكلفة بسبب الوعي لأهمية الأرقام كما بسبب تطوير المحاسبة وتقنياتها. العقلية كانت تخفي المعلومات في السابق، أما اليوم فتغير الواقع في معظم المجتمعات. هنالك من يسمي البيانات الكاملة الصحيحة "النفط الجديد" لأهميتها في تحسين الإنتاج وتحقيق النمو والتطور. تكلفة التنبؤ تدنت جدا بسبب وجود البيانات والحواسب الدقيقة والسريعة والمنتجة. انتشار الذكاء الاصطناعي في كل الاقتصادات يضعها أمام تحديات ثلاث مهمة. أولا أيهما أهم زيادة الإنتاجية أو العدالة في المجتمع؟ استعمال الذكاء الاصطناعي يحسن مجمل الأوضاع، لكنه يصب أكثر في صالح العالمين بالتكنولوجيا والعلوم والحواسب وبالتالي يوسع الشرخ المعيشي الداخلي. ثانيا هنالك المفاضلة بين التجدد والمنافسة بحيث يقوي الذكاء الاصطناعي أقلية من الشركات الرائدة كما يحصل مع "فيسبوك" و"أمازون" وغيرهما وبالتالي يؤثر سلبا على المنافسة القطاعية. هنالك اليوم أقلية قوية وأكثرية ضعيفة في قطاع الأعمال. أما ثالثا، فانتشار الذكاء الاصطناعي ونجاحه يعتمد على توافر معلومات وإحصائيات وبيانات عن كل شيء وبالتالي تتأثر الخصوصيات سلبا أي المعلومات التي من المفترض أن تبقى غير معلنة. للذكاء الاصطناعي تأثيرات كبرى على إنتاجية الاقتصادات وبالتالي على التنمية والنمو، لكن لا بد من معالجة المساوئ عبر القوانين بحيث لا تتأثر الديمقراطيات والحريات سلبا.