هل يكابد المهاجرون اليوم معيقات وفواجع ومخاطر وهم في طريقهم إلى الجهة التي اختاروها وطنا بديلا أو مكانا مؤقتا لمنفاهم قسرا كان ذلك المنفى أم رغبة واختيارا؟ هل هي ذاتها منغصات الغربة وكرباتها التي كان يلقاها المهاجر في الماضي؟ هل يشعر اليوم بالعزلة والحنين إلى الأوطان والأحبة ويقضي سنوات عمره في يأس من العودة وزيارة مرابع طفولته ومثوى آبائه وأجداده؟ هل تراجعت مخاطر الهجرة عما كانت عليه في الماضي؟ لماذا يهجر الإنسان وطنه وأهله ومقر سكناه إلى بلد آخر فيعيش مع شعوب وأعراق تختلف ثقافاتهم وأفكارهم وأساليب حياتهم؟ هل من أجل العمل وتحسين مستوى المعيشة، هل عشقا للمغامرة وعيش تجربة جديدة للحياة، أم بحثا عن الأمن والاستقرار وهروبا من الملاحقات وظلم الأنظمة السياسية وغياب الحريات؟ هل تقود الهجرة إلى تلاشي معاني وقيم الهوية والانتماء؟ هل تشكل الهجرة كما كانت في الماضي استنزافا لأهم ثروة تملكها الأوطان، الثروة البشرية بما لديها من تعليم وصحة ومال وفتوة وتطلعات وإرادة لصناعة المستحيلات وقوة عمل لتحريك عجلات الاقتصاد والتنمية والأسواق؟ . على ما بين المرحلتين الزمنيتين من تحولات عميقة وفوارق هائلة في مختلف مناحي الحياة سهلت ويسرت كثيرا على الإنسان، إلا أن تحديات ومعيقات ومخاطر الهجرة ومحن المهاجرين في ظل عصر القرية الكونية، والتقدم الهائل في تقنيات الاتصال ووسائل الانتقال، وقدرة المهاجر على التحدث مع أسرته في أي وقت ومن أي مكان من العالم، وتعاظم حقوق الإنسان، وسهولة نقل المهاجرين لمعاناتهم الى العالم عبر الاعلام الرقمي، وقدرة البشر على التحرك والانتقال بين البلدان والدول للعمل والاستثمار والتسوق... إلا أن العالم بات أكثر تعقيدا وتشابكا واستنزافا للثروة البشرية، والمهاجر يعاني الأمرين ويواجه جمة من المخاطر في طريقه بحثا عن المأوى والاستقرار والعمل والحقوق والتعليم والأمن، لقي في سبيلها عشرات الآلاف حتفهم وفقدوا أرواحهم قبل بلوغ الأمل، وذلك بسبب السماسرة من التجار ومافيا الهجرة الذين استثمروا معاناة المهاجرين، والتكلفة المالية العالية التي تحتاجها الهجرة، والملاحقات السياسية والأمنية وخوف المهاجرين على أسرهم الذين قد تتسبب هجرتهم في الاضرار بهم وأخذهم بجريرة اختلافهم مع النظام السياسي ومعارضتهم له، وتزايد أعمال الكراهية والتعصب وازدراء المهاجرين وتحميلهم كل ما يحدث في البلد المضيف من مشاكل وجرائم وتعقيدات إدارية وشح في الوظائف ومتاعب اقتصادية ... كتاب (الهجرة كيف تؤثر في عالمنا؟)، لـ(بول كوليير)، ترجمة (مصطفى ناصر)، الصادر عن (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب)، بالكويت يلقي الضوء على مشكلات الهجرة وتأثيراتها على مختلف الأطراف ذات العلاقة، ويجيب على الكثير من الأسئلة التي طرحها المقال. تناول الكتاب محاور عديدة مرتبطة بملف الهجرة وتشابكاتها الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، ومحفزات ودوافع اندماج المهاجرين في المجتمعات والثقافات الحاضنة لهم ومعيقاتها، وقدم نماذج وأمثلة من المجتمعات الأوروبية والأمريكية خاصة، من حيث ضعف الاندماج في الأولى وذوبان هوية المهاجر في الثانية. والكاتب ذاته ينتمي إلى أسرة كابد فيها أسلافه مشاق الهجرة، وتقدم سيرتهم الكثير من المواقف والظروف المؤلمة المرتبطة بالهجرة. (فإذا كانت هناك عائلة عابرة للقوميات فهي عائلتي حتما). فما الذي تغير بعد انقضاء قرن من الزمن؟ يؤكد الكاتب بأن (القيود نفسها التي تكبح روح المغامرة نجدها تفرض على مهاجري اليوم. بعد قرن من الزمن) .