الحج من قطر قديماً.. ذكريات عطرة

لم يتوقف أهل قطر عن استرجاع ذكرياتهم عن الحج، فقد كانت الشعائر حاضرة في وجدانهم ومخيلتهم، واثقون من عودتهم إلى بيت الله ليؤدوا الفريضة، وها هم يتطلعون إلى الأماكن المقدسة وهم في شوق كبير للزيارة. ما يواجه حجّاج اليوم من تحديات سيكون ذكرى للأجيال المقبلة في الغد، تمامًا كما أضحت تحدّيات حجّاج الأمس ذكرى نسترجعها سويًا. وفي هذا السياق، جمعنا في كتاب: الحج من قطر قديمًا...ذكريات عطرة (دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، 2020) عدداً من روايات أهل قطر، ممن ينتمون لأجيال مختلفة، يسترجعون ذكرياتهم عن الحج، بعضها يتعلق بالاستعدادات التي كانت تسبق رحلة الحج، وبعضها يتعلق بذكريات الطريق ومتاعبه والصعاب التي كانوا يواجهونها في أثناء الطريق ذهاباً وإياباً، إلى أن يعودوا سالمين إلى أوطانهم وأهليهم، وكأنهم ولدوا من جديد، ليعيشوا لحظات الفرح بلقاء الأهل والأحباب بعد أن أنعم الله عليهم بتأدية هذه الفريضة العظيمة. فقد كان أهل قطر يستقبلون موسم الحج مع قدوم شهر رمضان من كل عام،  وتبدأ الخطوة الأولى يدفع الحاج للمقاول الأجرة نظير تكاليف رحلته، ويقوم المقاول بترتيبات السفر معهم، وتحديد موعد الانطلاق. وتبدأ قوافل الحج في التجمع في ساحة قريبة من مدينة الدوحة، بالقرب من الديوان الأميري عند قلعة الكوت؛ حيث يتوافد الحجيج من أطراف البلاد، بينما يكون الحجاج قد دخلوا في حالة من الروحانية، وبعد صلاة الفجر إلى قبيل صلاة الظهر (الضحى) يكونون قد استعدوا تماماً، ويكون المقاول قد تسلم زمام القيادة، ليعلن قيام الرحلة براً في اتجاه "سلوى". أثناء الطريق يلتحق بهم العديد من قوافل الحجيج الأخرى وبعضها كان للميسورين والوجهاء من أبناء قطر، وتستمر القافلة في مسيرها إلى أن تصل إلى “أبو سمرة" على الحدود السعودية وكان بعض المودعين يصاحب الحجيج حتى نقطة التفتيش وعندما يعبر الحجيج الحدود يعود المودعون إلى الدوحة.  وفي "أبو سمرة" تقوم السلطات السعودية، بالتحقق من شخصيات الحجيج وبطاقات التطعيم الصحي، كما يقومون بتفتيش الحجيج، إلا النساء لا تفتشن وذلك تكريماً لهن، كما كن يحملن تصاريح سفر ولكنها كانت تخلو من صورهن، حيث كان يكتب مكان الصورة محجبة، وظل هذا معمولاً به إلى أوائل الثمانينيات. لقد ظل الحج على المطايا هو الوسيلة الوحيدة لأبناء قطر حتى بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، من الدوحة إلى سلوى إلى الهفوف، الأحساء، الرياض، مكة، والعودة من الطريق نفسه.  في حالات افتقاد الأمن في الطريق البري لسبب أو لآخر، كان أهل الخليج يحجون عن طريق البحر في بواخر تبحر إلى بومبي ثم جدة مروراً بأبو شهر والبحرين وقطر ودبي وبندر عباس ومسقط وكراتشي، ومدة الرحلة إلى بومبي عشرة أيام ثم الإقامة أكثر من أسبوع بانتظار السفن المغادرة إلى ميناء جدة، والتي تمر بطريقها بعُمان ثم المكلا وعدن وبربرة في الساحل الأفريقي، وأخيراً تصل إلى جدة وتستغرق هذه الرحلة عشرة أيام، وكثيراً ما يحصل لهم من غثيان وأمراض لم يعرفوها من قبل. أما الحجّ بالسيارات فكانت الأجرة خلال الأربعينيات حوالي مائة ريال تقريباً ويقوم صاحب السيارة بأخذ الحجاج في سيارة تسمى لوري Laurie”" وعادة تكون من طابقين حيث يخصص الطابق الأعلى للرجال ويتخذ النساء الطابق الأسفل. وفي الستينيات من القرن الماضي أذكر أن السيارات كانت تقطع المسافة بين الرياض وصولاً إلى بلاد الحجاز لمدة ثلاثة أيام وربما أكثر حسب وعورة الطريق أو سهولته؛ حيث تتعرض بعض السيارات للأعطال.  وفي عهد الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني الحاكم الرابع لدولة قطر في الفترة من 1949-1960م أُفتتح للمرة الأولى مراكز للحجاج، وكان ذلك في طرف الدوحة وهو عبارة عن مكان لتجمع الحجاج قبل ذهابهم، وكذلك أقيم في طريقهم ما يحتاجونه من مساجد وخدمات، وكان يشرف عليها الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري رحمه الله وغيره من المشايخ. في السبعينيات من القرن العشرين قامت البعثة بنظام جديد يتعلق بشؤون الحج وتوحيد أسعار المقاولين ثم تسجيل الحجاج في مقر البعثة، كما عملت على تجهيز السكن من قبل المقاول على أساس أان يكون مجهزاً بالماء والكهرباء، وأن تتوافر مراوح وأن يكون المبنى سليماً وصحياً ومناسباً، كما اشترطت عليهم ايضاً رفع علم قطر على كل سكن الحجاج القطريين، وكان هذا يسهل عليهم التزاور للاطمئنان على بعضهم البعض.