ماذا بعد رفع سعر الفائدة في مصر؟

" اطمئنوا، فتلك هي آخر الرفعات الكبيرة"... يبدو أن هذا هو لسان حال البنك المركزي المصري الذي قام بزيادة الفائدة على الجنيه 7% خلال ثمانية أشهر منذ طلقة التعويم في نوفمبر 2016 وذلك تحت مبررات محاربة التضخم ومسايرة إجراءات الإصلاح الاقتصادي، لتستقر مؤقتا أسعار الفائدة الحالية عند 18.75% للإيداع و19.75% للإقراض... وهو المشهد الذي يدعونا لطرح سؤالين هامين وهما (كيف وصلنا إلى ذلك؟) و(وماذا بعد ذلك؟). أولا... كيف وصلنا إلى أسعار الفائدة الحالية؟ 1 - تحل مصر في المركز التاسع عالميا والأول عربيا في قائمة الدول الأعلى سعر فائدة في العالم، بداية من رفعها في 2014 من 8.25% إلى نحو 12% ترويجيا لاكتتاب قناة السويس الجديدة.  2 - اكتسبت الفائدة في مصر سرعات وقيما مضاعفة بعد قرار تعويم الجنيه المصري استجابة لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يقدر بنحو 12 مليار دولار لتتوالى الرفعات الثلاث الكبيرة ليصبح المشهد الحالي عند 18.75% للإيداع و19.75% للإقراض. 3 - تشهد الميزانية الحالية 2017 - 2018 ارتفاعا أكثر من 120% في خدمة مصروفات الفوائد عنها في ميزانية 2013 - 2014 وهو ما ينعكس بالأثر المباشر على تكاليف اقتراض أي مشروع تجاري يجب أن يحقق في الإجمالي ما يقرب من (20% في 2014) و(50% حاليا في 2017) أرباحا ليوازي فوائد البنوك الحالية وبعدها يبدأ في حصد مكاسبه الخالصة وهو ما ينذر بارتفاع مضاعف في كافة أسعار السلع والخدمات ويدفع التضخم للمزيد من التضخم وكذلك اتساع دائرة الركود الاقتصادي لصالح مستوردين قدامى ومنتجين جدد. 4 - لعبة رفع الفائدة في البنوك المصرية تخدم تماما حاملة سندات الخزانة المصرية خاصة الأجانب الذين ارتفعت استثماراتهم فيها من مليار دولار تقريبا في 2014 إلى 9 مليارات دولار في 2017 يتم احتسابها من الاحتياطي النقدي لمصر وتلك ليست موارد دولارية فعلية ناتجة عن نشاط اقتصادي حقيقي وهو ما ينتج عن تسييلها وفرة في الأرصدة الدولارية تهبط بالدولار من فوق شجرة 18 جنيها إلى 16 جنيها على أفضل تقدير إلى أن تعاد الكرة مرة أخرى ثانيا. ... ماذا بعد أسعار الفائدة الحالية؟ 1 - من الطبيعي أن يقوم البنك المركزي المصري بتثبيت سعر الفائدة خلال اجتماعاته القادمة بعد فيضانات الرفع المتتالية ويعود ليقلل مستقبلا من وتيرة ونسبة رفع الفائدة استنادا للتطورات الاقتصادية إلى أن تحل الذكرى السنوية الأولى لقرار التعويم في نوفمبر القادم ويستطيع التقييم الفعلي لآثار التجربة المحفوفة بالمخاطر... 2 - بعد تسلم مصر للدفعة الثانية لقرض صندوق النقد تكون قد حصلت على نحو 4 مليارات دولار من أصل 12 مليار دولار وهو ما يمثل ثلث قيمة القرض وبالتالي ستقل وتيرة ونسبة رفع سعر الفائدة من 2% إلى 0.5% على أقل تقدير... ليمثل ذلك رفعا رمزيا بالمقارنة بالرفعات الحالية وليمسك المركزي المصري العصا من المنتصف كاستجابة لشروط الصندوق من ناحية لمحاربة التضخم ومن ناحية أخرى كإشارة في اتجاه التثبيت والتخفيض مستقبلا بعد الحصول على 60% من قيمة القرض بعد منتصف 2018.  3- من مؤشرات تحسن المناخ الاقتصادي العام في مصر هو أن تفقد أسعار الفائدة الحالية نحو 450 نقطة أساس لتستقر قرب نسبة 15% بعد منتصف 2018 على الأرجح لتعيد ضخ الاستثمارات في الأسواق ولتقلل عجز الموازنة بنحو 75 مليار جنيه وهو بالصدفة ما يمثل قيمة العجز الذي أضافته قرارات الحماية الاجتماعية الأخيرة والذي سيتم تمويله من إيرادات الصناديق الخاصة حسب تصريحات وزير المالية المصري. 4 - مبرر رفع الفائدة لن يكون هو السبب الأساسي في تصحيح مؤشرات البورصة المصرية التي حملت مؤخرا في الداخل بضريبة الدمغة وتنتظر من الخارج الاستجابة لتصحيح الأسواق العالمية من قممها التاريخية... بالإضافة إلى أن نشاط أذون الخزانة المصرية سوف يحجم كثيرا من استدامة النشاط الطبيعي للاستثمار في الأسهم التي تشهد مضاربات منتقاة قصيرة وساخنة على عكس اتجاه المؤشر العام أخيرا... وبعد المرور بإجراءات اقتصادية قاسية في سبيل الإصلاح المزعوم هل تنتبه الحكومة المصرية لخطورة الأبعاد الاجتماعية لقراراتها المتعاقبة وتبتكر طرقا غير تقليدية جديدة وفعالة لمجابهة الآثار المعلنة والمكتومة لقرار التعويم؟!