"التجارة والإمبراطورية في مسقط وزنجبار" 1/3

نشطت الدراسات والأبحاث في السنوات الأخيرة التي تتناول الحياتين السياسية والاقتصادية وأنماطهما وتطورهما وخصائصهما في العديد من الأقطار العربية والإسلامية وفي مراحل تبوء عدد من الأسر والممالك التي حكمت في عصور مختلفة، مستندة في معلوماتها على مصادر ومراجع غربية ووثائق ومخطوطات قديمة ذات أهمية عالية، هذا فضلا عن السرد الشفهي لكبار السن الذين عايشوا أو سمعوا نتفا عن ملامح تلك الفترات، آخذة في الاعتبار أحدث المناهج والمدارس في التأليف وكتابة هذا النوع من الدراسات، التي كشفت عن حقائق ونظم وسياسات تصور البراعة والحنكة ودور السياسة والروابط والعلاقات المتينة المبنية على المصالح في تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار المعيشي، وأبانت عن أسباب وعوامل الإخفاق والتراجع من جهة أخرى، التي تصيب الدول والممالك بما يمكن أن يستفاد منه ويشكل مرجعا لمنفذي الخطط والبرامج ومعدي السياسات الاقتصادية خاصة، وفككت وأجابت هذه الدراسات عن الكثير من التساؤلات المطروحة والقناعات والثوابت الجاثمة وأفصحت عن وقائع وأحداث وقراءات مهمة.... كتاب "التجارة والإمبراطورية في مسقط وزنجبار"، من هذه الإصدارات الثمينة، التي اشتغل عليها الباحث الدكتور "محمد رضا باقر"، لفترة زمنية من الوقت، منقبا وباحثا عن المراجع والوثائق التي تفيده وتثري مشروعه، وتوصله إلى تحقيق غاياته وأهدافه... فقد قدم الدكتور محمد خلفية تاريخية عن ازدهار التجارة وخمولها وأسباب تراجعها في فترات زمنية في حواضر وموانئ وأسواق المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي، ومناطق شرق أفريقيا، التي سجلت في القرن التاسع عشر خاصة، ازدهارا وتبادلا نشطا للتجارة لأسباب تناولها الباحث بالتفصيل، كما طرحت دراسته تساؤلات مهمة عن أسباب اشتغال وهيمنة وتسيد مجموعة أو فئة عن غيرها على التجارة في هذه المناطق؟ وعوامل ودوافع اهتمام حكام آل بوسعيد بمنطقة شرق أفريقيا خاصة زنجبار، التي أصبحت عاصمة للسيد سعيد بن سلطان بدلا من مسقط؟ وغيرها من الأسئلة المحورية التي أجاب عنها المؤلف بأمانة وواقعية على ضوء المصادر والمراجع التي توفرت لديه، كما تناول الكتاب، سمات الصراع بين القوى الأوروبية البريطانية والفرنسية والهولندية في المحيط الهندي، على وقع أفول نجم البرتغاليين، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى الهيمنة البريطانية الكاملة، ساعدها في ذلك الأطماع والعداءات بين القوى المحلية الناشئة، والنزاعات على السلطة بين الشخصيات الطامحة في الأسر الحاكمة، وتشابكات وتأثيرات كل تلك الأحداث إيجابا أو سلبا على النشاط الاقتصادي والازدهار التجاري في المنطقة، وتتبع الباحث أسماء العائلات والشخصيات التجارية الفاعلة، في شرق أفريقيا وأصولهم وبدايات فترة وجودهم وأنشطتهم التجارية وارتباطاتهم السياسية، وكشوفات بإيرادات الجمارك في كل من مسقط وزنجبار، والسلع والصناعات الرائجة، الكتاب مهم ويعد مصدرا رئيسا للأحداث السياسية والتطورات الاقتصادية، للفترة التاريخية التي تناولها، وقد سجلت كلمات إعجاب وإطراء في حقه من قبل عدد من الباحثين والأكاديميين والمشتغلين بهذا النوع من الدراسات "دراسة ممتعة مبنية على نطاق واسع من المصادر - عمل مهم ورائع جدا احتجنا إلى كتابته منذ زمن طويل - التفسيرات التي يقدمها الدكتور باقر مبدعة...". واقتصرت قراءتي لمادته على الشأن الاقتصادي انسجاما مع توجهات "لوسيل" وموضوع المقال. "يتبع".