أسواق المال وبورصات العالم ذلك العالم الافتراضي الذي يجمع بين ثناياه أهم وأكبر شركات العالم، ذلك العالم الذي يتكون من رموز وألوان تقلب حياة الناس رأسا على عقب، فتجعل من ذلك المستثمر العادي مليونيرا يُحرِّك الأسواق بعروض وطلبات، وهو نفسه أيضا المكان الذي يراه البعض محرقة للأموال ليس لها صديق أو عزيز، كيف لا؟ وهي من انتزعت من أيلون ماسك ما يقارب الـ 50% من ثروته في سنة واحدة وهي أيضا من كبّدت "مارك زوكربيرغ " خسائر بحوالي 78 مليار دولار لتصل صافي ثروته الى 42 مليار بعد أن كانت تفوق الـ 120 مليار منذ 365 يوما، عالم مُتغير، بل عالم يقوم على التغيرات ويعيش على تبدُّل الألوان والأشكال، ولكن وبالرغم من كل شيء الا انه يبقى دوما كما هو ثابت من حيث الفكرة لا تتغير فيه اهداف المستثمرين فجميعهم يبحثون عن نهاية واحدة، نعم إنها الربح، هدف واضح يطمح اليه كل من يعمل في قطاع الأسواق المالية، ولا وسيلة للوصول اليه اقصر من ارتفاع الأسعار، فالسعر في الحقيقة هو الأساس الذي تعمل أسواق المال على أساسه وهو اللغز الخفي الذي اذا استطعنا ان نفهمه نكون قد حللنا أُحجية الربح السريع والثراء الكبير، وهو أيضا ما جعل المتابعين والمراقبين يبحثون دائما ويعملون للوصول الى آلية عادلة يتم عبرها تسعير الأسهم وخاصة تلك الأسهم الحديثة والتي يجب ان يتم تحديد سعرها عند البدء بعملية الاكتتاب او الادراج، فسعر الطرح أو سعر الادراج هو ذلك السعر الذي يتم التداول به عبر المُتداولين المؤهلِّين منهم والعاديين، وهو أيضا ذلك السيف الحاد الذي تُحارب به الشركات والأسواق لتمام عملية بيع او شراء أي من أسهُمها، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هو السعر؟ وكيف يتم تحديده؟ وما هي ألية البناء السعري الذي بتنا نسمع عنه مؤخرا؟ وما هو الهدف من تطبيق هذه الآلية؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان السعر بأبسط معانيه هو تلك القيمة التي ندفعها لشراء أي منتج وهي ذلك المقابل النقدي او المادي لشراء السلع والمنتجات، وبشكل آخر وأكثر وضوحا فإن السعر هو عبارة عن تحديد رقم يتم من خلاله افتراض ما تساويه قيمة السلع من نقود، وبالحديث عن طريقة تحديد هذا "السعر" اقتصاديا فهي وبكل بساطة عبارة عن النقطة التي يتقاطع عندها سعر الطلب لدى ذلك المُشتري الذي يملك الرغبة والقُدرة الشرائية مع سعر العرض لدى البائع الذي يملك السلعة ويرغب في بيعها، وبالتالي فانه يتم تحديد السعر بشكل مباشر عند التقاء سعر الطلب مع سعر العرض في أي من الأسواق وهو الشرط الأساسي لإتمام أي عملية للبيع أو الشراء، أما بالانتقال للحديث عن آلية بناء السعر فإنه من المهم معرفة ان هذه الالية هي الية حديثة التطبيق في أسواق المال وهي عبارة عن طريقة او عملية يتم استخدامها لتحديد سعر الطرح الخاص بالأسهم عند طرحها للاكتتاب في أسواق المال، وبالتالي فإنها غالبا ما تكون خاضعة للرقابة والمتابعة العامة من الجهات المالية للأسواق، وهنا يجب الإشارة الى ان هذه العملية هي عبارة عن تفاهمات وموافقات مُتعدِّدة يقوم بها المستثمرون ومدراء الإصدار بالتعاون مع الشركة الأساسية التي سيتم طرحها تحت اشراف الهيئات الرقابية بالدولة وعبر مجموعة من المستثمرين المؤهلين ذوي الخبرة والدراية بعالم الأسهم والشركات بحيث يتوصل الجميع الى اتفاق واضح وغير مباشر لتحديد أسعار الأسهم المُتوقع طرحها، أما أهم خطوات هذه الآلية فهو أن تقوم الشركة أولا وقبل أي شيء بتقديم طلب للموافقة على طرح أسهمها على ان يُحدِّد مدير الإصدار بالتعاون مع الشركة النطاق السعري المُقترح للأسهم المطروحة بالإضافة للنسبة التي سيتم تخصيصها للاكتتاب من قِبل المستثمرين المؤهلين، وهنا تجدر الإشارة الى أن المستثمرين المؤهلين هم عبارة عن فئات مُحدَّدة من المستثمرين تتمثل في شركات الخدمات المالية والبنوك وشركات التأمين بالإضافة الى الشركات الحكومية والشركات المملوكة لجهاز الاستثمار أو اي من الجهات التي يتم تحديدها من قِبل هيئة أسواق المال على ان لا يقل عددهم عن خمسة في أي من الاكتتابات المطروحة، وعلى ان يكون دور هؤلاء المستثمرين هو فقط في التقدُّم بطلبات شراء حقيقية وجاهزة للتنفيذ وذلك بهدف بناء ما يُعرف باسم "سجل الأوامر" والذي هو عبارة عن مجموعة من أوامر لشراء الأسهم المُخصّصة لهم في الاكتتاب، على ان يُستخدم هذا السجل لاحقا في تحديد سعر الاكتتاب لباقي المستثمرين بالتنسيق مع الشركة وهيئة أسواق المال، وهو ما يجعل فكرة الاكتتاب عبر هذه الالية تَقسُم الأسهم المطروحة للاكتتاب الى مجموعتين: الاولى وهي عبارة عن الأسهم التي سيكتتب بها المستثمرون المؤهلون والتي لا يجب ان تقل عن 30% ولا تزيد عن 50% من أسهم الشركة المطروحة للاكتتاب، والمجموعة الثانية وهي عبارة عن باقي الأسهم التي سيقوم باقي المستثمرين بالاكتتاب بها مقابل سعر استرشادي يتم تحديده بناء لجهة الإصدار وهيئة أسواق المال بالاعتماد على دور التقييم وعلى " سجل أوامر" المستثمرين المؤهلين. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن طرق التسعير الحديثة وخاصة الية بناء السعر تُعتبر الية واقعية تعكس مدى رغبة وجدية المستثمرين في شراء الأسهم المطروحة للاكتتاب بالسعر المُقترح وهو ما يُعتبر ضمانا إضافيا وحقيقيا بنجاح الاكتتاب، فهو يقوم على فكرة مدى قبول واستعداد مجموعة من المستثمرين ذوي المعرفة والخبرة على القيام بالشراء الفعلي للأسهم المطروحة، وهو غالبا ما يكون أقرب وأكثر قُدرة على التطبيق، وهنا أستذكر مقولة "رون كوفمان" الذي يقول " يدفع العملاء الثمن، لكنهم يتذكرون القيمة".