في الأول من يناير من كل عام يصدر جلالة السلطان مرسوما سلطانيا بالتصديق على الميزانية العامة للدولة، وهي عبارة عن وثيقة حكومية تعدها وزارة المالية، ويقرها السلطان بعد مراجعتها من قبل مجلسي الشورى والدولة، وتحتوي على حجم الإيرادات والإنفاق المتوقعين لسنة مالية قادمة، إنها خريطة طريق ترشد مؤسسات الدولة وتوجه مساراتها المالية، على ضوء السياسات المعتمدة والأهداف والغايات المستهدفة، والتي تضمنتها بنود الميزانية، وتعرض للمشاريع التنموية المقرة. هذا وقد قادت ضغوطات الانخفاضات الحادة لأسعار النفط في الأسواق العالمية وافتقادها إلى الاستقرار طوال العقد المنصرم، وارتفاع حجم الإنفاق والمعيقات التي رافقت سياسات التنويع، وما تسببت به جائحة كورونا أخيرا من انعكاسات، إلى ارتفاع عجوزات الميزانيات والعمل على سدها باللجوء إلى الاقتراض الخارجي ومن ثم إلى تراكم نسبة الدين العام، وقد ساهم برنامج التوازن المالي وسياسات التقشف وعدد من الإجراءات التي تم اتخاذها لضبط الإنفاق، والتي عرضت لها بالتفصيل في مقالات سابقة وارتفاع أسعار النفط في الأسواق المالية أخيرا، إلى تراجع عجوزات الميزانية العامة للدولة، وانخفاض نسبة الدين العام وتحسن التصنيف الائتماني لاقتصاد السلطنة عالميا. في الأول من يناير الماضي، صدر المرسوم السلطاني بالتصديق على الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2022. البيان الأولي الذي رافق إصدار الميزانية، يسعى كما أبانت عنه مقدمته إلى "تعزيز مبدأ الشفافية والإفصاح المالي"، ويؤكد على "توجه سلطنة عمان إلى تطوير منهجية إعداد الميزانية العامة للدولة"، وتضمن البيان "المؤشرات الاقتصادية لعام 2021، وتغيراتها المحلية والعالمية، بالإضافة إلى التقديرات الأولية لعام 2022". وقد بلغت "جملة الإيرادات المقدرة للميزانية التي تم احتسابها على أساس سعر ٥٠ دولارًا أمريكيًّا لبرميل النفط، نحو 10 مليارات و580 مليون ريال عُماني بارتفاع نسبته 6 بالمائة عن الإيرادات المقدرة للعام الماضي 2021"، وقد اعتمدت مصادرها ب"نسبة 68% على قطاعي النفط والغاز، و32% على موارد غير نفطية، في مقابل انفاق بلغ 12 مليار و130 مليون ريال عماني، مرتفعا بنسبة 2% عن انفاق 2021، ويشمل كلفة خدمة الدين العام، وتوزعت بنود انفاقها على المصروفات الجارية بنسبة 84% ومصروفات استثمارية بنسبة 7% وبلغت مصروفات دعم أخرى 9%. وتوزع مستوى الإنفاق على الخدمات الاجتماعية بنسب 17% على قطاع التعليم، و11% على الصحة، و7% على قطاع الضمان الاجتماعي، و5% لقطاع الإسكان. وسوف يتم تمويل عجز الميزانية البالغ حوالي مليارا ونصف المليار من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي. تسعى الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لميزانية 2022، إلى: "الحفاظ على المستويات الآمنة والمستدامة للإنفاق العام – الاستمرار في مساهمة الإيرادات غير النفطية – إعطاء الأولوية في تنفيذ المشروعات لتلك المرتبطة بالقطاعات الإنتاجية – إعطاء الأولوية لاستكمال برنامج التحول الرقمي – الحفاظ على مستوى الانفاق في الخدمات الأساسية – إعادة توجيه الدعم لمستحقيه من فئات المجتمع – استمرار العمل على تحسين التصنيف الائتماني للسلطنة". في قراءته لأرقام ومؤشرات الميزانية، قال الخبير الاقتصادي الدكتور مسلم مسن في حسابه على تويتر بأنها "ميزانية تحوطية مع إنفاق معقول وعجز منخفض"، ولكن ما يزال ظهور وانتشار سلالات جديدة لكوفيد 19، والتوقعات باستمرار ارتفاع نسبة التضخم، وضعف الثقة في نمو الاقتصاد العالمي، والخوف من عودة تذبذبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، وانعكاسات سياسات التقشف وتسببها في تباطؤ النمو. تشكل تحديات أمام الاقتصاد الوطني نتطلع إلى النجاح في التغلب عليها.