يرى العديد من الخبراء والمحللين أن البداية الحقيقية للأزمة المالية العالمية الراهنة إنما بدأت في أغسطس 2007 حين قام بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي بتجميد حوالي 2,2 مليار دولار بصناديق الاستثمار في الأوراق المالية قصيرة الأجل، وهي الأزمة التي لا نزال نعيش تداعياتها وآثارها السلبية حتى الآن، والتي أجبرت الكثير من الدول المتقدمة على انتهاج سياسات نقدية غير تقليدية وفي مقدمتها التيسير الكمي والخفض الضخم لفوائد البنوك والتي كانت سلبية في بعض الأوقات، مما أدى إلى ضعف الإنتاجية وانخفاض مستوى الأجور الحقيقية المعدلة وفقاً لمعدلات التضخم. وترتب على هذه الأزمة المالية العديد من الانهيارات المالية والاقتصادية والمؤسسات الائتمانية الخاصة، كما واجهت البنوك المركزية والحكومات الغربية مجموعة من الخيارات القاسية وغير اليقينية، وإدراك صناع السياسة لمدى خطورة التوقف المفاجئ للنشاط الاقتصادي الذي يؤدي بالضرورة إلى تدمير سوق العمل والتجارة والاستثمار.. وكان على متخذي القرار بهذه الدول القيام بما يكفي من السياسات والإجراءات الكفيلة بضمان النمو المستدام، في ظل ممارسة بعض صناع السياسة لهوايتهم في إلقاء الأخطاء واللوم على الآخرين، وحينئذ تصبح التأثيرات الاجتماعية والمؤسسية للأزمة أكثر قوة من التأثيرات المالية والاقتصادية. ويؤكد البعض على أن هذه الدروس ربما كانت مفيدة وعملية لصناع السياسة في الدول المتقدمة منذ عشر سنوات مضت، ولكن صناع السياسة في ذلك الوقت استغرقوا وقتاً طويلاً لاستيعاب عدم استقرار النظام المصرفي بجانب عدم اقتناعهم بأهمية الاسترشاد بخبرات الدول الناشئة في هذا المجال، ولم يهتموا بوضع نموذج واضح ومتجدد للنمو الاقتصادي الذي يعتمد على خلق نمو شامل ومستدام، وبدلاً من ذلك نظروا إلى الأزمة على أنها عابرة ومؤقتة وأن الاقتصاد سوف يتعافى بعد بلوغه القاع والارتداد من جديد مثلما حدث من قبل في فترات ركود سابقة. إلا أنه اتضح بعد ذلك أن الأزمة ليست مؤقتة وإنما تتطلب حلولاً هيكلية وذات نطاق أشمل وأوسع كما أنها تحتاج إلى مدى زمني أطول، في الوقت الذي أصيبت فيه فرص التحركات السياسية الجريئة بالتوقف، ومن ثم تطلب الأمر الكثير من الوقت كي تعود هذه الدول من جديد إلى مستويات نمو إجمالي الناتج المحلي المحققة قبل الأزمة، كما أنها لم تتمكن من إطلاق كافة إمكانات نموها بالكامل، واستمرت الفجوات بين الدخل والثروة والفرص في الكثير من دول العالم المتقدمة، مما أضعف فرص النمو المستقبلي. وبعد مرور تسع سنوات على بداية الأزمة المالية العالمية لم تعالج الكثير من الدول المتقدمة التشوهات المعوقة للنمو التي تحد من كفاءة الأنظمة الضريبية والوساطة المالية، كما أنها لم تتحول فعلياً عن نموذج النمو التقليدي الذي يعتمد أساساً على السيولة والاستدانة من المؤسسات المالية ومؤخراً من البنوك المركزية، لذا يتطلب الأمر القيام بالمزيد من الاستثمارات في البنية التحتية ورأس المال البشري والتعليم والتدريب والذكاء الاصطناعي وإدارة المخاطر المحتملة، حيث لا يزال أمام هؤلاء الساسة تجنب المزيد من الفشل واستغلال مصادر النمو المستدام ومعالجة المستويات المقلقة لعدم المساواة، بما يفيد بأن الأمل والفرص لا تزال متاحة وسانحة.