اعتاد العالم منذ منتصف القرن الماضي على نسب نمو قوية حتى في الدول الصناعية. نمت الدول الناشئة كما النامية أيضا بنسب تغيب اليوم، هل كانت الفترة السابقة استثنائية؟ أم نمر اليوم في ظرف استثنانئي يعود بعده النمو إلى أرقام الماضي المرتفعة؟ يقول الاقتصادي «زفي غريليكيس» إن نمو الماضي القوي خاصة في فترتي الخمسينيات والستينيات انتهى إلى غير رجعة، ويجب أن نكتفي بالنسب المعتدلة والمنخفضة. يمكن تقسيم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى مرحلتين، أولاهما ما بين 1945 و1973 وهي مرحلة الازدهار والنمو المرتفع، وثانيهما فترة 1973 حتى اليوم وهي فترة النمو العادي الذي يحافظ على البحبوحة الحالية مع الأمل الضعيف في تحسن أوضاع الطبقة الوسطى وما دون. خلال مرحلة 1945 - 1973 عرف الاقتصاد العالمي نموا منقطع النظير. طبعا النمو يكون دائما قويا بعد الحروب والدمار، حيث الحاجات تكون كبيرة وبالتالي أينما ننفق نحقق الغنى. في لبنان شهدنا مثلا بعد الحرب الأهلية وفي بداية التسعينيات نموا كبيرا لسنوات متتابعة بنيت خلالها البنية التحتية والاقتصاد بشكل عام وأوسع. نتوقع نموا كبيرا مماثلا في سوريا بعد السلم. منذ سنة 1973، تغيرت الأوضاع بسبب الحرب الباردة والحروب الإقليمية والأزمة النفطية وارتفاع أسعار النفط وتكلفة الإنتاج كما يقول «مارك ليفينسون» في كتابه «أوقات فريدة». تبعا لهذه العوامل، تحولت البحبوحة إلى قلق وخوف وعدم اطمئنان وثقة بالنسبة للمستقبل والسياسيين. لا شك أن أسعار النفط كانت متدنية قبل 1973 وتم رفعها لمصلحة الدول المنتجة التي لها الحق في الاستفادة من ثرواتها الطبيعية كما يحق لكل دول العالم أن تستفيد من مواردها الأولية وسلعها الزراعية والصناعية والمعدنية، كما الغذائية. خسارة حرب 1967 وانتصار 1973 لم يؤثرا فقط اقتصاديا وسياسيا، بل التأثير الأكبر كان نفسيا ومعنويا وهنا تكمن الشجاعة الحالية في تحديد الإنتاج وبالتالي رفع الأسعار. لأن النفط كان يشكل عامل إنتاج مهما أكثر مما هو عليه اليوم، كان لأسعار النفط تأثير كبير على تكلفة الإنتاج وبالتالي على الأسواق العالمية. تأثرت أسواق الاستهلاك في الدول الصناعية وارتفعت في وقتها أصوات المواطنين الغربيين احتجاجا ونقمة. لكن بالرغم من تنوع مصادر الطاقة، تبقى للنفط أهمية تدل عليها تصريحات الرئيس ترامب الذي يطالب مجموعة الأوبك وروسيا بزيادة الإنتاج حتى تنخفض الأسعار. خلال هذا الشهر ستتقلب الأسعار كثيرا مع اتجاه صعودي قبل تنفيذ العقوبات النفطية تجاه إيران. أما منذ انتهاء العمل باتفاقية «بريتون وودز» من قبل الرئيس نيكسون في سنة 1971، أصبحت أسعار الصرف العالمية حرة، وبالتالي زادت مخاطر الأسواق. ارتفاع المخاطر يتزامن عموما مع ارتفاع العائد، لكن هذه الأجواء تفرض أيضا على قطاع الأعمال التردد في اختيار استثماراته وبالتالي يتعثر النمو وترتفع البطالة. لا شك أن صندوق النقد لعب دورا إيجابيا في تخفيف المخاطر لكن الإمكانات الموضوعة في تصرفه لم تكن كافية.