أخلاق على قارعة الطريق

إلى أي مدى التجارة من المعاملات الإسلامية التي لها حدود؟ تعرف التجارة بأكثر من تعريف، ومنها أن التجارة هي الحصول على المال بالمبادلة بهدف الربح، وهي أيضا تبادل السلع أو الخدمات بين طرفين أو أكثر والمقصد هنا أن التاجر هو من يشتري البضاعة بهدف البيع مع إحداث فرق في السعر إلى الزيادة، أما في الإسلام فقد عرفها الجرجاني بأنها شراء الشيء لغرض البيع بربح أو الاسترباح بالبيع، أما ابن خلدون فأضاف في باب التجارة بجانب أنها تنمية رأس المال ببيع البضائع المشتراة بأغلى من ثمن شرائها للربح، أضاف بنقل البضائع من بلد إلى آخر تكون البضاعة أندر وأغلى. حقيقة أوردت التعريفات السابقة من أجل الإشارة إلى نقطة مهمة وهي ما هو ذلك الفرق المقبول والمنطقي والأخلاقي بين سعر البيع والشراء؟ وهل العمل التجاري هو جزء من المنظومه الأخلاقية الشمولية للمجتمع وإلى أي مدى تعتبر التجارة من المعاملات الإسلامية التي لها حدود وقواعد ففي الإسلام؟  تعتبر التجارة أحد أوجه المعاش الطبيعية الثلاث الزراعة والتجارة والصناعة، وتم الحض على التجارة لما فيها من منافع للناس والمجتمع، وهنا مقصد الحديث، فحجم المنفعة والمساهمة المنتظرة من هذا النشاط في تنمية الدخل القومي وتحقيق الرفاه الاجتماعي هو معيار صلاحية هذه التجارة من عدمها وهذا لا يتعارض مع تحقيق الربح ولا مع تكوين الثروة للأفراد ولكنه يتعارض مع فكرة التجارة غير الفعالة بمعنى التجارة التي تزيد من ثراء صاحبها دون أن تساهم في الناتج الإجمالي القومي، وهنا يطرح التعليق أن التاجر حر فيما يتاجر به والكيفية والنوعية طالما أنه لا يخالف القانون لتفنيد الرأي الأول، والرد هنا أن التاجر ما كان ليعمل ولا ليربح لولا توفير الدولة الحاضنة الاقتصادية والبنية التشريعية والقانونية وباقي مكونات البنية التحتية، لذا لزم على كل من يدعي أنه تاجر ناجح بمجهوده أن تصب تجارته في الصالح العام للمجتمع والدولة كواجب والتزام أخلاقي. أما الباب الثاني فهو التجارة ونسبة الفرق بالزيادة وعلاقتها بتاريخ السداد، فلما كان من أنواع الربا أن يبرم عقد البيع على أن يتم تحديد الثمن مرتبط بوقت السداد، أي أن يقال إن سعر البضاعة الآن خمسة وبعد شهر عشرة، فإن ذلك من الربا المحرم، والحكمة من تحريم الربا كما أورد الرازي، أن الربا يقضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض، ولما كان المقرض أو البائع بيعتين في بيعة والمنهي عنها عادة من الأغنياء والمقترض أو المشتري (بيعتين في بيعة) فقيرا، فإن هذا النوع من التجارة يساعد على أن يأخذ الغني من مال الفقير زيادة وهذا غير جائز، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (حرمة مال الإنسان كحرمة دمه). حقيقه أجد أنه ومع وجود التشريع الديني الذي ينظم المسألة والتشريع القانوني أيضا، إلا أنني أجد أن المنظومة الأخلاقية الإنسانية إذا لم تكن موجودة سيتم الالتفاف على كل ما سبق، وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في حديثه: (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا).