لا شك أن المنطقة العربية مرتبطة بالبيتروكميات والمحروقات إنتاجا واستهلاكا كما في التحويلات. لم تنجح المنطقة في تخفيف ثقل الجغرافيا في الاقتصاد الذي بقي مرتبطا بها. هنالك دول مجلس التعاون الخليجي حيث تؤثر الإيرادات النفطية جذريا على النمو والاستثمارات والمشاريع بل تغير الجو العام. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدول التي تستفيد من تحويلات العاملين في الدول النفطية، وبالتالي عندما تخف هذه التحويلات تتأثر الاقتصادات سلبا ومباشرة بالوضع كما هو الحال بالنسبة للبنان والأردن ومصر وغيرهم. الجغرافيا العربية ليست كلها نفطية، بل هنالك أراض خصبة ومياه غزيرة وشعوب قادرة على العمل في الصناعة لكن النتائج حتى اليوم لم تصبح بمستوى الطموحات. إثيوبيا تحاول «الاعتداء» مائيا على مصر عبر حصر مياه النيل في سدود داخلها مما يمكن أن يشعل حربا مستقبلية. كيف تستطيع دولة كإثيوبيا التفكير في مواجهة مصر التي تتفوق عليها في كل شيء وفي الأخص عسكريا؟ في الصين، هنالك مشاكل كبرى مرتبطة بالجغرافيا وعدم رغبة الحكومة الصينية التنازل عن مناطق احتلتها أو صادرتها أو تعتبرها جزءا منها. موضوع «التيبيت» معروف بحد ذاته وعبر نشاطات «الدالاي لاما» الذي يحاول تسويق استقلال بلاده في دول القرار والمؤسسات الدولية. تقول الصين إن الهند ستحتل «التيبيت» إذا تركتها، وبالتالي لن تعطيها الاستقلال. أما تايوان فتقع على بعد 140 كلم من الشاطئ الصيني ويمكن للصين احتلالها لولا الوجود العسكري الأمريكي في المحيط. لذا تستعمل الصين الدبلوماسية الهادئة بل الناعمة، أي مثلا التجارة والسياحة والاستثمارات في علاقتها مع تايوان بانتظار الفرصة السانحة أي بعد أن تقوي جيشها خاصة قوتها البحرية. مشكلة الصين الأساسية اليوم تبقى اقتصادية بيئية أي كيف تحمي الزراعة والبيئة وتقوي صناعاتها وتحافظ على نموها القوي؟ 40% من الأراضي الصينية الخصبة ملوثة أو غير صالحة، وبالتالي سيتأثر الإنتاج الغذائي الصيني مستقبلا. إن الصين محاصرة جغرافيا بدول حليفة لأمريكا خاصة في الممر النفطي بحيث تشعر أنها غير قادرة على المواجهة مع الغرب خاصة مع الولايات المتحدة. لذا تتوسع الصين اقتصاديا ونفوذا في إفريقيا حيث توظف الاستثمارات والخبراء، منها إنشاء خط سكك حديد في «كينيا» بين «نايروبي» و«مومباسا» بتكلفة 14 مليار دولار يخفف وقت السفر من 36 إلى 8 ساعات. الاستثمار في الاقتصاد يعني مع الوقت استثمارا في السياسة والنفوذ توظفه الصين في الأمم المتحدة. المعروف أن العديد من دول إفريقيا كما من دول الشرق الأوسط رسمت حدودها من قبل المستعمرين الغربيين الذين ما زالوا يديرون بل يستغلون قسما من ثرواتها. الحدود الإفريقية في معظمها غير طبيعية وبالتالي تخلق مشاكل كبرى. هنالك 56 دولة في إفريقيا يسبب تكوينها الجغرافي والبشري مشاكل بل حروب عرقية ودينية وسياسية خطيرة. لم تنعم دول إفريقيا بقيادات شفافة كفؤة تدير ثرواتها ومصالحها، آخرهم المثال الإفريقي الجنوبي وبالتالي لم يكن عامل الجغرافيا مساعدا كما يجب.