الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية

يتناول هذا الكتاب واحدة من أهم القضايا التي تهم الشعوب وتشغل السياسات الحكومية قديما وحديثا، لكونها تتعلق بتوفير متطلبات المجتمعات الأساسية من الغذاء، وتحقق للإنسان الاكتفاء، ولأن نجاح السياسات في زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي، ورفع مساهمة وكفاءة هذه القطاعات بشكل تدريجي، سوف يغطي احتياجات السوق الداخلي، ويسهم في الناتج المحلي، ويحقق متطلبات الأمن الغذائي، وشكل على مدى الأزمنة ضامنا للاستقرار والرضا وعزز من الثقة في السياسات الحكومية، وخفف من مشاعر الإحباط والسخط، ووأد أية نوايا أو بؤر وتوجه لإثارة الشغب والاحتجاج والثورات الشعبية التي تقوم في الغالب بدافع من ارتفاع الأسعار، وشح السلع الغذائية في الأسواق، والاحتكار، وفي العالم العربي تجارب كثيرة لثورات ربطت بارتفاع سعر رغيف الخبز، وأخيرا يعزز هذا الإنجاز من استقلال وتحرر الدول من الالتزامات والضغوط، وحمايتها من تقلبات الأسعار العالمية وتوقف إمدادات الغذاء في الحروب والأزمات والجوائح، فقد "بات القلق في الآونة الأخيرة بشأن قضايا الأمن الغذائي واضحا، وخاصة في العالم العربي، بسبب الاعتماد الكبير للمنطقة على الواردات الغذائية. ووفقا للمعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء فإن الآثار المترتبة على ارتفاع وتقلب أسعار الغذاء وخيمة، خاصة بالنسبة إلى البلدان التي يرتفع فيها صافي واردات الغذاء، لأنها تشتري حصة كبيرة من احتياجاتها الغذائية من أسواق الغذاء العالمية، وارتفاع الأسعار وتقلبها ينتقل بشكل أسرع ومباشر على المستوى القومي. فـ "أسعار الغذاء المرتفعة لها تأثير مدمر في البلدان النامية والفقيرة... " لأنه "يضر بالمستهلكين عن طريق الحد من قدراتهم على شراء الطعام، وترك دخل أقل للسلع الأساسية والخدمات الأخرى مثل الرعاية الصحية والتعليم". وجاءت قراءتي لفصول هذا الكتاب، في وقت شهد فيه العالم أزمتين غذائيتين تسببت فيهما جائحة كورونا على مدى أكثر من سنتين، والحرب الروسية الأوكرانية حاليا، قادا إلى ارتفاع تكلفة الغذاء وتراجع قيمة العملة في بعض الدول، كمصر على سبيل المثال، حيث أدت زيادة أسعار القمح وتراجع الجنيه إلى تكبيد الميزانية بحوالي "ثلاثة مليارات دولار".. صدر الكتاب ضمن سلسلة "عالم المعرفة"، وهو من تأليف "جين هاريغان"، وترجمة "أشرف سليمان"، وقدم "تحليلا متعمقا لقضايا الغذاء في الدول العربية، واستخدم أدوات الاقتصاد السياسي لتاريخ الأمن الغذائي في المنطقة، وألقى الضوء على أزمة الأمن الغذائي وعلاقة ذلك بأزمة الغذاء في الفترة من العام ٢٠٠٧ وحتى العام ٢٠١١، والتي عملت بوصفها محركا لثورات الربيع العربي، ويتعرض لكيفية تعاطي حكومات الدول العربية مع مشكلات الغذاء والأمن الغذائي من خلال مفهوم "السيادة الغذائية"..."، إذ ينتصر في رؤيته إلى أن "الزيادات في أسعار الغذاء كانت حافزا مهما في أحداث الربيع العربي"، الذي غذته على مدى سنوات "أسس اجتماعية واقتصادية مهمة تمثلت في شكل تضخم أسعار الغذاء، فضلا عن ارتفاع مستويات البطالة وزيادة أوجه عدم المساواة". يجد الكاتب في التعريف الذي أقره مؤتمر القمة العالمي للأغذية في روما في العام 1996م شمولا وقبولا ووضوحا، حيث يتحقق الأمن الغذائي "عندما يمتلك جميع الناس، في كل الأوقات، إمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى الغذاء الكافي والآمن والصحي، والذي يعمل على تلبية احتياجاتهم الغذائية، وتفضيلاتهم الغذائية لحياة مفعمة بالنشاط والصحة". "يتبع"