الاستحواذ والاندماج.. قرار وتوسع

في السنوات الأخيرة، ومع تسارع نمو الشركات، وفي خضم السباق الكبير للسيطرة على الحصص السوقية، شهدنا وبشكل كبير عمليات استحواذ واندماج بين العديد من الشركات حول العالم، فإذا ما عدنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلا، فإننا بلا شك لن ننسى ما قامت به شركة «فيسبوك» خلال الفترة من (2012 - 2014) حيث اشترت «إنستغرام» مقابل مليار دولار، و«واتساب» بقيمة 19 مليار دولار، و"أوكيولوس في آر" بملياري دولار، أما في شهر مارس من العام (2019) فها نحن نسمع عن استحواذ شركة أوبر Uber على شركة كريم Careem وهي العلامة العربية التي تعمل في نفس المجال الخاص بوسائل النقل وذلك بمبلغ وقدره 3.1 مليار دولار، أما شهر نوفمبر من نفس العام فقد حمل لنا أخبار استحواذ شركة باي بال PayPal، على الشركة المالكة لتطبيق Honey مقابل 4 مليارات دولار. فما هي عمليات الاستحواذ؟ وما الفرق بينها وبين الاندماج؟ وكيف تتم وما الهدف منها؟ بداية وبشكل مباشر فإن الاستحواذ في لغة الاقتصاد والأعمال هو السيطرة المالية والإدارية لإحدى الشركات على النشاط التجاري لشركة أخرى، وذلك بشراء كامل أسهم الشركة أو جزء كبير منها (غالبا ما يزيد على 50%)، وبالتالي تتمكن الشركة المستحوِذة من إدارة الشركة المستحوَذ عليها كاملا مع الحفاظ على كيانها القانوني. وبالرغم من أن الكثير من المتابعين يعتبرون مصطلح الاندماج مرادفا لكلمة استحواذ نظرا للتشابه الكبير بينهما، إلا أن الفرق بينهما يكمن وبشكل أساسي في أن الاندماج هو اشتراك أو اتحاد شركتين أو أكثر لتشكيل شركة جديدة تعمل تحت إدارة واحدة وهو ما يؤدي بالنهاية إلى زوال الكيان القانوني لشركات المندمِجة وظهور كيان جديد بصفة قانونية مستقلة وهو ما يعرف بالشركة الجديدة. وبالرغم من أن هذه المسميات بدأت بالانتشار حديثا وبالتحديد في سبعينيات القرن العشرين، إلا أنها أخذت أشكالا عديدة، ومن أهمها ما يلي: الشكل الأفقي: وهو يتم بين شركتين تعملان في نفس النشاط وبالتالي تقدمان نفس المنتجات (شركتان تعملان في تصنيع وبيع السيارات مثلا) وغالبا ما يكون الهدف منه: تخفيض تكاليف الإنتاج وخاصة الثابتة منها، بحيث تستفيد الشركة من الوفر الناتج إما عن طريق تقليل عدد الموظفين أو عن طريق تخفيض تكاليف الأصول مثل المباني والمعارض مثلا وهو ما يخفض تكاليف الإيجارات والصيانة أحيانا كثيرة. تخفيض تكاليف المواد المستعملة في عملية الإنتاج عن طريق مناقشة الموردين لتوريد كميات أكبر تكفي لمنتجات الشركتين. رفع الحصة السوقية وامتلاك نسبة أكبر من العملاء عن طريق دمج عملاء الشركتين معا. الشكل الرأسي: وهو يتم بين شركتين تعملان بمراحل إنتاج متكاملة ومرتبطة (شركة تصنيع وبيع سيارات ومصنع إطارات مثلا) وفي هذه الحالة وبالإضافة إلى الوفر السابق الناتج عن تقليل عدد الموظفين والمباني، يكون الهدف الأهم هو تأمين الحصول على المواد اللازمة لعملية الإنتاج بأعلى جودة وبأفضل الأسعار وبالتالي تقليص المخاطر الناتجة عن عدم توافر أو تذبذب جودة المواد الأولية الأساسية. الشكل غير المرتبط: وهو يتم بين شركتين لا يوجد أي رابط بين منتجاتهم وهي في الغالب تكون عمليات استحواذ (شركة تصنيع سيارات وشركة بيع ملابس مثلا) وغالبا يكون هدفها: التوسع في عمليات الاستثمار وتحقيق أرباح مرتفعة خاصة في القطاعات الجديدة المتوقع لها نمو كبير مستقبلا. تنويع مصادر الدخل وبالتالي توزيع مخاطر الاستثمار بين القطاعات المختلفة. الدخول والتوسع بأسواق جديدة داخليا وخارجيا. وأخيرا وبرأيي الشخصي فإن هذه العمليات وبرغم أهميتها إلا أنها وبكثير من الأحيان تخلق كيانات عملاقة تتحول مع مرور الزمن للمُسيطِر الرئيسي على أسواق العالم وبالتالي تصبح فكرة منافستها ضربا من الخيال، وهو ما قد يجعل الشركات المتوسطة والصغيرة مجرد مشروعات تعمل لتُقنع تلك الشركات بالاستحواذ عليها مستقبلا، وهنا لا يسعني إلا أن أتذكر مقولة قديمة كنا نرددها دائما وهي: (إن المستثمر الذكي هو من يبحث عن أشخاص أكثر ذكاء منه، كي يديروا له استثماراته وأعماله)، كما أستذكر مقولة ستيف جوبز مؤسس شركة أبل (أحب كثيرًا أن يتمكن المرء من دمج التصميم العظيم مع القدرات البسيطة لإنتاج شيء لا يكلف الكثير).