الحفاظ على الديموقراطيات

تبعا للكاتبين «ليفيتسكي» و«زيبلات» في كتابهما «كيفية موت الديموقراطيات»، يمكن للديموقراطية أن تموت برصاصة قاتلة عبر الانقلاب أو سريريا اذا وجد الرئيس الذي يسيء استعمال السلطة ويقمع المعارضات والاحتجاجات. ما هي المؤشرات التي يجب النظر اليها قبل وصف مسؤول بمتسلط؟ يشير الكاتبان الى أمور عدة. اذا رفض المسؤول أو لم يكن ملتزما باللعبة الديموقراطية التنافسية. هل يحترم الدستور ويلتزم بالنتائج حتى لو خسر حزبه؟ عندما انتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية وبسبب فوزه بالناخبين الكبار فقط وليس بالصوت الشعبي، هدد ترامب بعدم قبول النتائج اذا لم تظهره رابحا. دفع الواقع بهيلاري كلينتون بسرعة الى تهنئته والقبول بالخسارة قبل أن تبحث في امكانية الطعن أو اعادة فرز أصوات بعض الولايات المتقاربة. اذا لم يحترم المسؤول حقوق المعارضة وحرية تصرفها تصاب الديموقراطيات. هل يصف المعارضة مثلا بالخائنة أو العميلة ويستعمل الوصف لتقييد حريتها في التصرف؟ يسعى الرئيس ترامب دائما الى تذكير المجتمع الداخلي والدولي بهيلاري ووصفها بالفاسدة كما يهاجم عبر «تويتر» يوميا مسؤولين محليين ودوليين آخرهم جو بايدن المرشح المتقدم في تمهيديات الحزب الديموقراطي. تقتل الديموقراطية عندما يقبل المسؤول بالعنف كوسيلة للمطالبة بقوانين أو مشاريع أو حقوق. هل له أي علاقة مثلا مع العصابات أو المافيات أو قوى السوق السوداء؟ لا شك أن تصريحات الرئيس ترامب فيما يخص العديد من المواجهات السياسية والعرقية في «شارلوتسفيل» وغيرها مقلقة. كما أن رفضه معالجة موضوع اقتناء الأسلحة الفتاكة بعد المجازر في المدارس والجامعات مقلق. يتجاهل المطالبات الشعبية بوضع حد لاقتناء الأسلحة الخطرة ويساير الى حد بعيد تجمعات شركات الأسلحة المعروفة بـ NRA. تصاب الديموقراطية عندما يكون هنالك استعداد من قبل المسؤول لتقييد الحريات العامة. هل هنالك محاولات ضغط ضد المعارضة من سياسيين أو صحافيين أو حتى موظفين؟ هل هنالك تمييز في التعامل مع مواطنين من أصول مختلفة علما أن الرئيس ترامب يعلم أن من انتخبه هو الرجل الأبيض الذي عانى اقتصاديا. لكن الحل لا يكمن في التقييد الاقتصادي والتجاري وانما في تشجيع الاستثمارات الداخلية والاستمرار في استقبال العقول المهاجرة التي صنعت أميركا العظمى. ضمن هذه الأطر تدخل أيضا طريقة تخاطب ترامب ليس فقط مع الداخل وانما مع الخارج أيضا كمع روسيا وأوروبا والكوريتين والصين وبعض الدول العربية. الممارسة الاقتصادية عبر التعريفات الجديدة على استيراد الفولاذ والألمنيوم وغيرهما ومحاولته اعادة العلاقات التجارية عقودا الى الوراء كلها مضرة للشعب الأميركي على المدى البعيد خاصة. تشير هذه الوقائع الى ضرورة القلق من بعض التصرفات الترامبية، لكنه ليس دكتاتورا. يرغب في تقوية سلطاته لكن التوازن المؤسساتي والسياسي يطيح بمن يحاول الاخلال بالقوانين والأعراف. استمرار الديموقراطية الحيوية الأميركية يعتمد على تحمل الأميركيين بعضهم البعض وعلى بقاء المؤسسات قوية. حتى لو لم تكن هذه الأمور مدونة في الدستور، فالأميركيون نجحوا في العرف والممارسة على الحفاظ عليها.