تشابه الأزمة الاقتصادية الصينية الخليجية

تمثلت معجزة الصين الاقتصادية بنمو اقتصادها المتواصل والمرتفع على مدار خمسة وعشرين عاما، وبسياسة التصنيع، والتصدير الذي تجاوزت قيمته 4 تريليونات دولار، لكن ومنذ وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008، وهذا النمو يتراجع بمعدل 1% سنويا؛ من 14% عند وقوع الأزمة، إلى 6.9% في العام 2015. أزمة الاقتصاد الصيني تتمثل إضافة إلى تراجع النمو؛ بالديون الرديئة، وإفلاسات بين الشركات، وتراجع أسعار الأسهم بحدود 30%، وتراجع استهلاك النفط ما ساهم بانخفاض أسعاره خاصة للمصدرين من الخليج العربي الذين ينافسون في أسواق آسيا والصين تحديدا، والأسئلة بشأن قدرة الحكومة - التي تدير اقتصادًا يستأثر بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ ويساهم بحوالي 50% من النمو العالمي- على إدارة تقلبات السوق، واستجابتها السلبية لنتائج تلك التقلبات؛ بالتخلي عن الإصلاح الهيكلي. أسباب عديدة يجري تداولها لتفسير التراجع منها، أن الاقتصاد الصيني معتمد على الأسواق الغربية، وأن أرقام نموه لم تكن صحيحة؛ حتى الحالية والتي لا تعكس حقيقة النمو الذي لم يتجاوز 5%، وأن هناك سياسة صينية جديدة تركز على الإصلاح الهيكلي وبصورة أقل على النمو الاقتصادي، وبالتالي فقد تم وقف الاعتماد الزائد على التصنيع الكثيف، والصناعات الثقيلة. معظم أزمات الاقتصاد الصيني جاءت مباشرة بعد أن دخل اليوان (العملة الصينية) في تحد مع الدولار الأمريكي كعملة احتياطية؛ ضمن سلة عملات صندوق النقد الدولي، وإنشاء الصين بنك البنية الأساسية الآسيوي المماثل للبنك الدولي، وإعلان الحكومة الصينية إعادة هيكلة اقتصادها نحو اقتصاد المعرفة والتقنية. اللافت هنا وجود بعض أوجه الشبه بين أزمة الاقتصاد الصيني وأزمة الاقتصاد الخليجي؛ فتراجع الصادرات الصينية للأسواق الخارجية جاء متزامنا مع تراجع استهلاك تلك الأسواق للنفط أيضا، كما يتم تحفيز الصادرات بتخفيض سعر صرف العملة، وهو يشابه تخفيض الدول الخليجية أسعار نفطها لتحفيز الطلب؛ وللمحافظة على حصتها السوقية، ناهيك عن مشكلة الصين بتصريف فائض إنتاجها الصناعي؛ لقلة وجود أسواق تستوعبه، كالدول النفطية التي تعاني مشكلة فائضها النفطي؛ وضعف الاقتصاديات التي تستهلكه.  والأخطر، أن دول الخليج العربي تعيش تحت وقع حروب إقليمية في خضم محاربة الإرهاب؛ والتمدد الإيراني، وفي مواجهة ذلك تستهلك فائضها من الاحتياطيات النقدية، حتى إن صندوق النقد الدولي توقع أن تستنزف السعودية احتياطياتها النقدية خلال خمس سنوات؛ وفق معدلات الإنفاق الحالية، وهو وضع تعيشه الصين أيضا في إقليمها بسبب الحقوق البحرية، والجزر الصناعية، والجزر الأخرى الغنية بالنفط والغاز، وهو ما أدى إلى توترات خارجية؛ تستنزف الاحتياطي الهائل من العملات الأجنبية لديها والمقدر حاليا بحوالي 3.2 تريليون دولار- انخفضت 513 مليار دولار في 2015- وداخلية؛ بضخها للدفاع عن عملتها، وأسواقها المالية، والحد من نزوح رؤوس الأموال، وفي الحالتين الخليجية والصينية، كانت الولايات المتحدة اللاعب الأهم؛ بانسحابها من الخليج العربي، وانتقالها إلى شرق آسيا والمحيط الهادئ .  أكثر من ذلك فقد أظهرت أزمة الإنتاج الصناعي الصيني؛ وأزمة الإنتاج النفطي الخليجي - رغم الفارق الكبير- أن كلا منهما يعتمد قطاعا تصديريا واحدا تقريبا للحصول على الإيرادات، الصين على الإنتاج الصناعي، والدول الخليجية على الإنتاج النفطي، وهو ما أوقعهما في مأزق الاعتماد على قطاع واحد لتصدير إنتاجه للخارج لبيعه.  فقد وصل الحال من الخطورة أن نسمع عن مديونية الدول الخليجية، حيث أعلنت شركة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني، أن دول مجلس التعاون الخليجي اقترضت 40 مليار دولار العام 2015، وعن وصول المديونية الصينية إلى 250% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني؛ بعد أن كانت 15% في العام 2008 بحسب مجلة الإيكونومست، حتى لو كان المقصود إجمالي الديون الداخلية والخارجية، وديون الشركات، والديون العائلية. الاقتصادان الصيني والخليجي يعيشان نفس المأزق، ويواجهان التحدي نفسه، ما يستدعي الذهاب للصين ليس لطلب العلم فقط، وإنما لطلب التنسيق والتعاون وتبادل الخبرات أيضا.