الرأسمالية - الجزء الثاني

يؤكد الكاتب أن «الرأسمالية» لم تكن في بادئ الأمر «نظاما أو مصطلحا أو مفهوما، بل كانت عدة أساليب متفرقة لأداء الأمور أداء مختلفا، وأثبتت هذه الأساليب نجاحا باهرا إلى حد أنها انتشرت سريعا». ويصف الرأسمالية بأنها «خروج مذهل على القواعد التي سادت على مدى أربعة آلاف سنة». ليس من السهل تقديم رؤية متكاملة أو قراءة شاملة في مقال محدود، لكتاب تجاوزت صفحاته الـ «550» صفحة، وعرض لتنظيرات وحوارات وآراء المفكرين والاقتصاديين والباحثين والمتخصصين في المجالات والفروع المرتبطة بالرأسمالية، ومناقشاتهم وأسئلتهم الجدلية الحامية الوطيس، والخلافات العميقة بين المناهضين للرأسمالية والمناصرين لها، وما احتواه من تاريخ مفصل للتوسع الأوروبي في العالم الفسيح، ونشأة الإمبراطوريات واستعمارها للعديد من دول العالم، ضمن ما سماه الكاتب بـ «التجارة في اتجاهات جديدة»، ولكن سوف أركز في المقال على أهم التحولات التي مرت بها «الرأسمالية» والتطورات التي شهدتها الأفكار والأساليب والنماذج والممارسات المعبرة عنها، من جانبها الاقتصادي فقط. هل يستطيع السوق في نظام تحكمه «الرأسمالية» أن يصحح نفسه بنفسه دون تدخل من الحكومة كما يدعي المنظرون والمناصرون لها؟ تشك «جويس أبلبي»، في قدرة السوق على تصحيح نفسه، ذلك لأنها - أي الرأسمالية - مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة ولها امتدادات ثقافية واعتبارات اجتماعية، بمعنى أنها تغذي وتخدم أطرافا عديدة تعتمد عليها، وذلك «باعتبارنا أعضاء في مجتمع حريص على دفع مرتبات تعول العاملين، وتوفير خدمة رعاية صحية شاملة ومدارس جيدة، علاوة على تقديم الخدمات الإنسانية إلى بلدان أخرى في العالم...». وقد عللت الكاتبة استمرار «دورات الانتعاش والركود» أو ما سمي بـ «الدورات الاقتصادية» إلى «افتقار اقتصادات السوق للتنظيم الحكومي»، مضيفة في المحور نفسه إلى أن «غالبية مفاتيح اتخاذ القرار في النظام الرأسمالي» يكون «مع أولئك الذين يحوزون رأس المال». ولا شك بأن هؤلاء سوف يوجهون دفة السياسات والحلول لخدمة مصالحهم وتحقيق المزيد من الثراء واستغلال الطبقات الفقيرة، وقد تكون هذه واحدة من أسوأ عيوب الرأسمالية. يعرف الكتاب «الرأسمالية» بأنها «نظام ثقافي متصل في الممارسات الاقتصادية التي تتمحور حول رغبة المستثمر الخاص الملحة في جني الربح...». لقد تميزت مرحلة ما قبل «الرأسمالية» بسيادة «القيم الأرستقراطية» التي «حظيت باحترام كبير. وعرف المجتمع ثلاث فئات: رجال الدين، والأرستقراطيين، والعامة، وكانت عائلات النبلاء والأشراف تضم مشاهير المجتمع في العالم، وكانوا أصحاب الحق في أي فائض اقتصادي، ولم يكن التجار يستطيعون حماية مصالحهم حماية فعالة لأنهم لم يملكوا السلطة التي تمكنهم من ذلك، ولم يكتف "الأرستقراطيون بازدراء من يعملون بالتجارة فحسب، بل شجعوا أيضا صفات تتعارض تعارضا مطلقا مع السمات الحافزة للتنمية الاقتصادية". لقد أدى اختراع المحرك البخاري وصناعة الآلة إلى تحول في العمل التجاري، و"عملت الشبكات التجارية التي بدأ الأوروبيون تأسيسها على امتداد الكرة الأرضية في القرن السادس عشر على ازدياد البقاع التي أمكن للرأسماليين إرسال بضائعهم إليها ازديادا هائلا"، وهكذا نستطيع أن نقول بأن "الثروات الضخمة ميزت النظام الرأسمالي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية التي سبقته".