مما لا شك فيه ان موقع أي شركة يلعب دورا مهما في تحديد وجهة هذه الشركة، خاصة وان هذا الموقع والذي يُطلق عليه الموقع الرئيسي يرتبط غالبا بكيان الشركة وانتمائها وهو في معظم الأحيان يُحدد جنسيتها وهو ما يجعل هذه الشركة تتبع جميع قواعد وقوانين هذا المكان بما في ذلك قوانينه الضريبية والمالية، وهو ما غير فكرة شروط المكان المناسب لتحديد جنسية ومكان تواجد الشركة نفسها، ففي الماضي كان المستثمرون يجولون العالم ذهابا وإيابا بحثا عن افضل الأماكن لتأسيس شركاتهم وتنفيذ أعمالهم، فكنت ترى الشركات جميعها تندفع نحو الأسواق الكبيرة ذات القوة الشرائية المتميزة، وبالتالي كان حلم كل شركة هو ان تكون شركة تنتمي للولايات المتحدة الامريكية أو للدول الأوروبية، أما اليوم ومع تطور وتغير الفكر الإداري ومع وجود تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات فقد اختلفت الرؤية فبات كل من نشاط الشركة واحتياجاتها بل وحتى أرباحها هي من تحدد جنسية ومكان عمل الشركات، فإذا نظرنا مطولا الى كل من الشركات الكبرى في العالم فإننا قد نتفاجأ بمكاتبها الرئيسية بل وحتى بجنسيات هذه الشركات وأماكن تواجد مكاتبها وفروعها الرئيسية، والأهم هو مكان سير عمليات التشغيل لتقديمها لاحقا للمستهلكين، وهنا يظهر السؤال المهم: فما هو موقع تنفيذ أعمال الشركة وما هي جنسيتها؟ وما الفرق بين جنسية الافراد وجنسية الشركات؟ وكيف يؤثر ذلك على اقتصاد الدول؟. من الناحية العامة فإن موقع تنفيذ اعمال الشركة هو المكان الذي تقوم به الشركة بإنتاج السلعة او تقديم الخدمة للمستهلكين وهو في كثير من الأحيان قد يتواجد في اكثر من دولة وخاصة في حالة الشركات العالمية، أما جنسية الشركة فهي المكان او الدولة الذي تنتمي اليه الشركة، وبالتالي تتبع قوانينه ونظمه التجارية والضريبية وحتى المالية، ولفهم الموضوع بشكل اكبر ها هي شركة جوجل مثلا وهي شركة أمريكية تقدم خدماتها عبر مكاتب منتشرة في معظم دول العالم وها هي شركة مرسيديس وهي الشركة الألمانية لإنتاج السيارات تمارس عمليات التصنيع في اكثر من 30 مصنعا منها مصنع الجزائر ومصر والأردن وغيرها الكثير، وبالحديث عن الفرق بين جنسية الافراد وجنسية الشركات فإنه يجب التنبيه أولا الى ان الشركات وبالرغم من كونها شخصيا معنويا الا انها وكما الشخصيات الطبيعية او الافراد لا بد ان تحصل على جنسية أي دولة معينة، إلا أنه وبالرغم من ان جنسية الشخص الطبيعي او الفرد تكون بموجب نسبه (حق الدم وهو ما يعطيه جنسية والده او والدته) أو بموجب مكان ولادته أو اقامته لفترة طويلة في دولة معينة، إلا أن جنسية الشركة تتحدد فقط بناء للدولة التي تتخذ فيها هذه الشركة مركز إدارتها الرئيسي الفعلي، كذلك فإن لكل شركة جنسية واحدة فقط وهي بعكس الأشخاص لا يمكنها ان تحمل اكثر من جنسية في نفس الوقت وهو ما يربط الشركة بدولة واحدة تُطبق قوانينها وتلتزم بتشريعاتها، هذا ومما هو جدير بالذكر فإن جنسية الشركة غير مرتبطة بجنسية الشركاء أو جنسية القائمين على الإدارة بل هي مرتبطة فقط بمكان تواجد مركزها الرئيسي. اما عن الحديث عن تأثير جنسية أي شركة على اقتصاد دولتها الأم فيمكن تلخيص ذلك بعدة نقاط رئيسية كما يلي: أولا: تقوم الشركة بتسديد الضرائب لخزينة دولتها وبناء لقوانينها وتشريعاتها، ثانيا: إيرادات الشركة ومبيعاتها تُعتبر جزءا من الناتج المحلي الإجمالي للدولة وهو ما يعطيها أهمية كبيرة في منح زخم استثماري لهذه الدول كذلك فإن اسم الشركة العالمية الناجحة وانتشارها يساعد في تشجيع الصناعات المحلية على التوسع وهو سبب رئيسي في بناء جسر متين من الثقة بين المستهلكين العالميين والشركات الأخرى في نفس الدولة وهو ما نشاهده غالبا عن تفضيل بعض المستهلكين لشراء منتجات أمريكية او أوروبية مثلا، وأخيرا فإن جنسية الشركة قد تعطيها بعض الامتيازات او قد تحرمها من بعض الأسواق وذلك بناء لعلاقة البلد الأم بالدول الأخرى فها هي بعض الشركات التي تنتمي لدول غير مرغوب بها تواجه تحديات وعقبات كبيرة لدخول الأسواق في بعض الدول. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي، فإن الشركة هي كالأشخاص لها اسم وجنسية وتنتمي لمكان وبيئة وهو ما يميزها عن غيرها من الشركات، وهو ايضا ما قد يحميها او يعطيها ميزة تنافسية هامة بالأسواق العالمية، وهنا استذكر مقولة نورمان كينج "إن الانتماء شرط أساسي لتحقيق الشعور بالذات والتفوق الشخصي".