سجِّل انا عربي، عربي أنا، بلاد العرب أوطاني، وغيرها الكثير والكثير من الأغاني والاحلام التي حلم بها الشعراء وتغنّى بها المطربون، عالم افتراضي ما زِلنا نحلم به حتى وان كانت يقظتنا المفاجئة على صوت طوفان الأقصى في غزة وبرغم ضخامتها لم تفلح في ايقاظنا بشكل دائم من أحلامنِا التي بِتنا نختبئ خلفها خوفا من مواجهة عالم حقيقي تتوزع فيه جوازات سفرنا وبطاقاتنا الشخصية وغيرها من الأوراق والمُستندات الرسمية على شبابيك معابر حدودية ونقاط تفتيش عربية لا تعير أي اهتمام لجذورنا التاريخية أو أصولنا المُشتركة أو حتى ملامِحنا العربية السمراء، فكُل ما عاشته الجاهلية ونظمته من أشعار ومُعلّقات كان خطأ جسيما، وكل ما كان في دول الخلافة الرشيدة هو مرحلة استثنائية غير قابِلة للتكرار، فلا الظروف هي الظروف ولا الشعوب هم المهاجرون او الأنصار ولا الحُكّام هم خلفاء راشدون، فنحن وان كنا جميعا عربا نسكن اليوم في بقعة من الأرض اسمها الوطن العربي، الا اننا وبرغم اجتماعنا من المحيط الى الخليج لكن خلافاتنا فيه قد تعدّت سؤالنا الأزلي حول من هم أصل العرب، وهل هم العرب البائدة أم العرب العاربة أو قد تكون عربا متعربة أو عربا مستعربة، خلافات وللأسف تزيد من تباعد حِلمنا الدائم بالوحدة والاتحاد التي اعتقدنا دائما بأنها أملنا الوحيد وهاجس خلاصنا الأول الذي وبرغم صعوبته لكنه لو تم فسيكون كما نعتقد مرحلة جديدة من الازدهار والسِيادة التي ستكتب بخط عريض زمانا عربيا جديدا بنكهة موحّدة جديدة تحِدُّها قوانينا وتُسيِّرُها ارشاداتنا، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هو الوطن العربي؟ وما هي مساحته وحدوده؟ وهل صحيح ان الوطن العربي يملك من المُقدّرات والموارد المُختلفة ما يُمكِن أن يجعله في مُقدِّمة الأُمم والدول؟ وما هي أهم ميِّزات وملامح اقتصاد هذا الوطن العربي الواحِد؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان الوطن العربي هو مصطلح سياسي وجغرافي يصف مجموعة من المناطق والدول التي تتشارك الحدود والتاريخ والثقافة وتتحدث اللغة العربية، ويبلغ عددها 22 دولة عربية، جميعها أعضاء في جامعة الدول العربية، وتمتد هذه المناطق والدول جغرافياً من سواحل المملكة المغربية على المحيط الأطلسيّ غربا ومرورًا بالبحر الأحمر وحتى الخليج العربي ونهاية شبه الجزيرة العربية شرقا، بما في ذلك دول غرب آسيا وشمال وشرق إفريقيا وذلك من بحر العرب جنوبًا وحتى تركيا والبحر الأبيض المتوسط شمالًا، ويشمل هذا المصطلح كل الدول العربيّة بما فيها الدول والمناطق المحتلة، مثل فلسطين، وهضبة الجولان، ومزارع شبعا وكافة المناطق المحتلة الأخرى، هذا وتبلغ مساحة الوطن العربي نحو 13 مليونًا و487 ألفًا و814 كم مربع، موزعين ما بين قارتي آسيا بنسبة 22% وأفريقيا بنسبة 78% وهو ما يجعل الوطن العربي مُجتمعا ثانيا من حيث المساحة الأكبر في العالم بعد روسيا الاتحادية، هذا ويصل طول السواحل العربية إلى 22 ألفًا و828 كم، ويبلغ عدد سكان الوطن العربي نحو 400 مليون نسمة وهو ما يجعلنا نحتل المرتبة الثالثة بعد كل من الصين والهند، عِلما بأن جمهورية مصر العربية هي الأكبر من حيث التعداد السكاني، إذ يصل عدد سكانها إلى 104 ملايين نسمة، في الوقت الذي يبلغ عدد سكان جزر القمر نحو 850 ألف نسمة، أما الجزائر فهي أكبر الدول العربية والأفريقية من ناحية المساحة وتصل مساحتها الى نحو 2,381,741 كم مربع. وبالحديث عن الاقتصاد والنفط فإن الدول العربية تنتج ما يُقارب الأربعة وعشرين مليون برميل من النفط يوميا وهو ما يُعادِل حوالي 33% من الإنتاج العالمي لهذه المادة الهامة، ووفقا لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية عن وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للدول العربية إلى 3.52 تريليون دولار في العام 2022، مستحوذا على 3.51% من الاقتصاد العالمي، مقابل 2.89 تريليون دولار في 2021 وهو ما جعله خامس أكبر اقتصاد في العالم متقدما ثلاثة مراكز بعد أن كان في المركز الثامن عام 2021، ومتفوّقا بذلك على الاقتصاد الهندي ليأتي بعد اقتصاد كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان والمانيا مع الإشارة الى أن حصة المملكة العربية السعودية من الاقتصاد العربي في 2022 بلغت نحو 31.6% مقابل 30.1% في 2021 ليكون بذلك أكبر اقتصاد عربي. ومما هو مثير للدهشة أن هذه المساحة التي تُعد مهبط الديانات ومهد الحضارات معظمها تغطيها الصحراء وأكبرها الصحراء الإفريقية الكبرى وصحراء شبه الجزيرة العربية، كما تُشكِّل الهضاب أكثر التضاريس انتشارًا بينما لا تمثل السهول سوى 6% من المساحة الكلية ولكن وبالرغم من ذلك فهي تضم في السودان فقط حوالي 170 مليون فدان صالحة للزراعة المُستخدم منها حوالي 40 مليون فدان فقط، بينما يوجد 130 مليون فدان صالحة للزراعة غير مستثمرة، أما مصادر المياه في الوطن العربي فهي كثيرة فمن نهر الفرات الذي يبلغ طوله نحو 2940 كم، الى نهر دجلة الذي تسافر المياه فيه لمسافة 1750 كم، حيث تلتقي مع مياه نهر الفرات لتُشكِّل شط العرب، وكذلك نهر الأردن الذي يمتد لمسافة 251 كم من منابعه في جبال حرمون وحتى البحر الميت، وطبعا النهر الأهم وهو نهر النيل الذي يبلغ طوله 6650 كم وهو ما جعل موسوعة غينيس للأرقام القياسية تتفق مع موسوعة "بريتانيكا" والحكومة الأمريكية على أنه النهر الأطول في العالم. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن ثروات الوطن العربي الطبيعية والزراعية وثروته الحيوانية ومصادر الطاقة والموارد البشرية الموجودة فيه تكاد تكون الأفضل في هذا العالم هذا طبعا لو اتحد واجتمع وهي وبالرغم من كونها مصدرا مُهِما لدخله وانتاجه، إلا أنها هي نفسها سبب ما يواجه من أطماع ومشاكِل داخلية، فالثروات غير المُستغلة ما هي إلا دعوة صريحة لكل الطامعين لاستغلالِها والاستفادة منها، خاصة في ظل وجود انقسام وخلافات حادة وعديدة بين أبناء البيت الواحد، وهنا أستذكر المقولة القديمة التي تقول " نحن جميعاً نجذف في القارب نفسه، فاليد تغسل الأخرى والاثنتان تغسلان الوجه".