الذكاء الاصطناعي.. شعلة لثورة قادمة

الذكاء الصناعي، تلك الفزاعة التي تحول الناس إلى مجموعة من المستهلكين الجالسين أمام شاشات التلفزة، يرتقبون أخبارا جديدة في هذا العالم المُتغير حول أي تطورات حديثة في عالم التكنولوجيا، مذيع الكتروني أو مذيعة جميلة تأتي من عالم افتراضي ليهزوا بأيديهم الآلِيّة عرش مشاهير تقديم البرامج، مقال كامل مُتكامِل عبر "شات جي بي تي" يراعي جميع شروط الكتابة مع تصحيح لغوي مضمون يتفوق على اباطِرة اللغة والبيان، حلول من خارج الصندوق لأصعب مسائل الرياضيات والفيزياء عبر خوارزميات خارقة تجعل من تفكيرنا مجرد محاولات بائسة لتحدي المستحيل، تغيرات كثيرة يمُر بها عالمنا الجميل، تترك تأثيرها على الجميع بل حتى على كل شيء، فها هي السيارات الكهربائية تقف على خط الانطلاق بانتظار صافرة البداية لتهجم على فريستها المسكينة من سيارات منزوعة السلاح التكنولوجي وتعمل على الوقود وهي التي لا تملك حولا ولا قوة إلا ان تنتظر استبدالها خلال سنوات قادمة، ففي بريطانيا مثلا يتم حاليا تشغيل أقل من 1 بالمائة من السيارات على طرق المملكة المتحدة بالكامل بالكهرباء، لذا فإن الحكومة قد أعلنت أنه سيتم حظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بعد عام 2030 وذلك في إطار خطة لمعالجة التغير المناخي، وكذلك فقد صادق الاتحاد الأوروبي سابقا على حظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالوقود الاحفوري بدءا من عام 2035 وغيرها الكثير من الدول والقارّات، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هو الذكاء الصناعي؟ وما هي أهم أشكاله وأنواعه؟ وأين تكمُن أهميته؟ وهل هو نعمة ام نقمة على الاقتصاد والاعمال؟ وهل فعلا سيُغيِّر هذا الذكاء وجه الاقتصاد العالمي والمحلي؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلُقه بشكل معين أو وظيفة معينة، وعلى الرغم من أن أكثر صورِ هذا الذكاء شُهرة ذلك العالِم الذي يعمل على تصميم وتنفيذ نماذج من الروبوتات الخارقة الذكاء والعالية الأداء الوظيفي والتي تشبه الإنسان الى حد كبير، إلا أنه وحتى الآن فإن الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى أن يحل محل البشر بل هو وفي الحقيقة يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير وهو ما قد يجعل منه قيمة كبيرة كواحد من أهم أصول الشركات والأعمال في المُستقبل القريب، أما كتعريف عام فإنه يُمكن وصف الذكاء الاصطناعي على أنه مجموعة من الأنظمة أو الأجهزة التي تُحاكي الذكاء البشري للوصول لقُدرات أداء مهام الانسان، على أن يكون من ضمن إمكانيّات هذه الأنظمة أن تُحسِّن من نفسها استنادًا إلى المعلومات والبيانات التي تجمعها، وبطريقة أخرى أكثر بساطة وشمولِيّة فان الذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج والحواسيب، حيث تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، والتي من أهمها القدرة على التعلم والاستنتاج، بالإضافة إلى الإدراك والتفكير المنطقي، مع القدرة على رد الفعل على أوضاع لم تُبرمْج في الآلة مُسبقا، هذا ويظهر الذكاء الاصطناعي في وقتنا الحالي في عدة أشكال من أهمها الروبوتات التي تحاكي تصرفات البشر وموظفي الاستقبال وخدمة الزبائن وهي التي تعمل على فهم مشكلات العملاء بشكل أسرع بهدف تقديم إجابات أكثر كفاءة لهم، البرامج والآلات التي تساعد على تحليل المعلومات المهمة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية او الرقمِية وبالتالي اصدار تقارير جاهزة لتقييم وضع او حالة مُعينة، كذلك فإن محركات التوصية والبحث تستخدم هذا الذكاء لتقديم توصيات واضحة للمُستخدمين حول اقتراحات قد تهُمهم، على أن يتم ذلك استنادًا إلى عادات الاستخدام الأخيرة ولنا في "اليوتيوب" و"غوغل" خير مثال على ذلك، وهنا تجدر الإشارة الى أنه تم تقسيم الذكاء الصناعي الى عدة أشكال أهمها: الذكاء الاصطناعي الضيق وهو الذكاء الذي يتخصص في مجال واحد مثل أنظمة الذكاء الصناعي التي يمكنها التغلب على الانسان في لُعبَة مُعينة مثل الشطرنج وهو الشيء الوحيد الذي تفعله كذلك فهناك الذكاء الاصطناعي العام وهو يشير إلى حواسيب بمستوى ذكاء الإنسان في جميع المجالات بحيث يمكنها تأدية أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها، ويعد تصميم هذا النوع من الذكاء أصعب بكثير من الذكاء الاصطناعي الضيق وإلى اليوم لم يصل هذا النوع الى كامل هدفه، وأخيرا الذكاء الاصطناعي الفائق وهو المرحلة الأكثر تطورا، فهو عبارة عن فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريبًا بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على مستقبل كل قطاعات الأعمال والإنتاج بل حتى على كل إنسان على هذا الكوكب فهو سيزيد وبشكل مباشر من كفاءة الأعمال وسرعة تنفيذها وكذلك من قيمتها عبر مساهمته في تطويرها بشكل دائم، كما أنه سيزيد من عدد المتفاعلين مع هذه الأعمال بسبب التطور المستمر للأدوات والبرمجيات المتعلقة بها، وهو ما سيكون بتقديري الخطوة الحقيقية الأولى أمام تغيرات كبيرة ستطرأ على عالمنا الحالي والتي ستنتج عنها ثورة تكنولوجية حقيقية يقودها الذكاء الاصطناعي تحت اشراف البشر، وهنا أستذكر مقولة الدكتور "سانجاي تشاولا" مدير بحوث تحليل البيانات في "معهد قطر لبحوث الحوسبة" والذي يقول "إذا لم تلحق الدول بركب ثورة الذكاء الاصطناعي، سيكون لذلك أثر على الاقتصاد في المستقبل، أما في هذا الوقت فكل دولة تملك الفرصة للقيادة وأداء دور مهم في تطوير الذكاء الاصطناعي".