"الذهب التنافس على أكثر معادن العالم إغراء" - الجزء الرابع

يواصل "ماثيوهارت"، سرد حكايته المشوقة عن الذهب مازجا السياسي بالاقتصادي والتاريخي بالاجتماعي في نماذج وأمثلة تشير وتدلل على علاقة هذا المعدن النفيس وروابطه العميقة بحياة الإنسان في كل زمان ومكان، وكيف تزدهر المجتمعات وتنشط الأسواق والتجارة وتعمر الدول وينمو الاقتصاد وترتفع قيمة العملات وتتعزز الثقة وتتسع الحضارات وتقوى. عندما تمتلئ الخزائن بالذهب، وتذبل سريعا وتنهار عندما تخلو منه، مستعرضا الكاتب قصة الرابطة القوية بين الذهب والعملات المتداولة خاصة خلال القرن الماضي، وتأثيراتها على اقتصادات تلك البلدان وانعكاساتها على التجارة والحياة العامة. لقد أدى تدفق الذهب خارج المصارف عندما يفقد المستثمرون والأثرياء الثقة في اقتصاد ما، إلى كساده وانهياره، ففي لندن، وفي زمن الكساد "العظيم، كان الذهب يتدفق خارج مصرف إنجلترا مع سحب الأجانب، غير المتفائلين بالأوضاع الاقتصادية المستقبلية لبريطانيا، أموالهم والفرار"، وهو ما قاد بريطانيا إلى الخروج من "معيار الذهب" وتبعتها في غضون أيام "سبع وأربعون دولة". وفي موقف معاكس وفي ذات المرحلة الزمنية تحول امتلاء الخزانة الأمريكية والمصارف بكميات ضخمة من الذهب إلى عامل قوة جعل منها سيدة العالم بلا منازع وكان "بيدها تشكيل عالم ما بعد الحرب"، حيث بلغ في عام ١٩٤٠ "احتياطي الخزانة الأمريكية ٢١ ألف طن من الذهب، ممثلا زيادة تفوق مائة في المائة خلال خمس سنوات"، وبعد خمسة عقود وعلى ضوء الانفاق الضخم على حرب فيتنام استنزفت الموارد المالية، وأدت إلى تلاشي "نصف احتياطي الذهب لدى الخزانة الأمريكية"، وفي فترة وجيزة لم يعد "ما يكفي من الذهب لتلبية جزء من إجمالي المطالبات المتوقعة لحملة الدولار الأجانب"، فلم يكن أمام الرئيس الأمريكي "نيكسون" من خيار إلا "فك الارتباط بين الذهب والدولار"، وهو ما حدث فعلا، فقد "كانت الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال، على الرغم من الضغوط المالية التي رزحت تحتها القوة الاقتصادية العظمى في العالم، وكان الاتحاد الأوروبي لا يزال مجرد اتحاد جمركي من ست دول. أما صعود الصين السريع كقوة اقتصادية فكان لا يزال في المستقبل البعيد، في حين كان اقتصاد روسيا يلهث كمن أعوزه الأكسجين". تعززت نظرة الإنسان إلى الذهب ونمت كمياته في الأسواق وأصبح ثروة عالية القيمة كما له مستثمروه وصناديق ونظم ومؤشرات وأسواق خاصة به، فقد تجاوزت كمية "السبائك الذهبية المعروضة في السوق اليوم، بألف وستمائة ضعف، الكمية المسجلة في القرن السادس عشر، حينما كانت الأساطيل الإسبانية المحملة بالكنوز تتقاطر أعلى النهر نحو إشبيلية"، وفي ٢٠١١ شهدت "لندن، في مدة ثلاثة أشهر فقط، تداول ١١ مليار أوقية من الذهب بقيمة ١٥ تريليون دولار". وتواصل ارتفاع أسعار الذهب ففي "أواخر أغسطس ٢٠١١ بلغ سعر أوقية الذهب مستوى ١٩١٧ دولارا". لقد أسر بريق الذهب ولمعانه قلوب البشر وظل سحره الأخاذ مستحوذا على عقل المرأة فلم ترض ببديل تتزين به وتحتفظ بأساوره وقلاداته في خزانتها، وكما كان المعدن الأصفر في كل الأزمان الغابرة ما يزال حتى اليوم الملاذ الآمن للأثرياء والفقراء على السواء، وظلت أسعاره وكمياته تنمو في المصارف والبنوك وصناديق الاستثمار وأسواق العالم وخزاناته. وسوف يبقى رمزا للثروة والقوة وتزدان القصور وبيوت الله وفنادق النجوم العالية بخيوطه الذهبية لتضيف عليها المزيد من الفخامة والأبهة والجمال.