قطاعات عديدة من الأعمال، شركات ومجموعات كبرى انطلقت في عالم الأعمال حول العالم، البعض منها استمر والبعض الآخر تغيّر أو اختفى، أسماء كُبرى لمعت وظهرت في سماء التجارة او الصناعة أو الخدمات باتت اليوم جزءا من ماضٍ جميل نتذكره ولا نراه، تحولت وبقدرة قادر الى جزء مُهم من ذاكرتنا الاقتصادية والاستثمارية، جزء يجعل افئدتنا لا شعوريا تتّجِه باتِّجاه تلك الأسماء والكيانات التي لم يعد لها وجود، فهي وبرغم ما كانت تظهر عليه من قوّة وتماسك، وبرغم من اننا كنا نراها أكبر بكثير من خيالنا المالي، الا انها اليوم أصبحت ذكرى في عالم الأعمال، فها هي شركة "ستاندرد اويل" مثلا وهي التي تأسست عام 1870 وهيمنت على صناعة النفط في العالم في ذلك الوقت تتفكّك الى شركات عديدة مثل " شيفرون" و"إكسون موبيل" وغيرهما وذلك بموجب قرار من المحكمة العليا الأمريكية صدر بسبب تورط الشركة في قضايا احتكار في عام 1911، وها هي شركة " إنرون" للطاقة أيضا تُعلن افلاسها في العام 2001 وهي أكبر حالة افلاس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت، بالرغم من أنها هي نفسها الشركة التي حقّقت في العام السابق 2000 إيرادات تفوق 111 مليار دولار حيث بلغ عدد موظفيها 22 ألف موظف في نفس العام، كذلك شركة " كومباك" احد اكبر وأول شركات أجهزة الكمبيوتر في الثمانينيات والتسعينيات انتهت بعد أن استحوذت عليها شركة " اتش بي" في العام 2002 وغيرها الكثير والكثير، أسباب عديدة وطرق مُتنوِّعة تؤدي كلها الى الاغلاق أو الإفلاس، قضايا فساد، إهمال وعدم مجاراة للواقع والمستقبل، أخطاء كبيرة، منتجات انتهت دورتها السوقية ولم تتطوّر وغيرها الكثير من المُعطيات التي وان تنوّعت الا انها كلها وبدون استثناء تصب في خانة واحدة، خانة تجمع كل أسباب الفشل في عالم الأعمال وهي " سوء الإدارة" أو الغياب الحقيقي "للرقابة الإدارية"، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي الرقابة الادارية؟ وما هو دورها وأهميتها للمؤسسات والشركات؟ وما هي أهم أنواعها المُتّبعة في أيامنا هذه؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان الرقابة الإدارية هي الوظيفة الأخيرة من وظائف الإدارة الأساسية الشهيرة وهي التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتقييم، وبالتعريف فان الرقابة الإدارية هي عملية استراتيجية وأساسية تهتم بالتأكد من ان الأداء الفعلي يتم وفقا لما هو مُخطّط له، وذلك من خلال متابعة أداء وأنشطة المنظمة بشكل دائم ومستمر للتأكد من الوصول الى النتائج المُستهدفة على أن يتم اتخاذ الإجراءات الوقائية لتجنب ظهور أي انحرافات أو فجوات بين الأداء الفعلي والأداء المرغوب فيه وبالتالي القيام بالتصرفات التصحيحية في حال ظهور تلك الانحرافات أو الفوارق، وهنا يجب التنويه الى ان هذه العملية تُعتبر هامة جدا بالنسبة للعمليات الإدارية، وذلك لارتباطها بتحديد نجاح مراحل العمل المختلفة من تخطيط وتنظيم وتنفيذ، وذلك كونها أداة إدارية تتضمن حزمة من الإجراءات التي تقيس الأداء وتتأكد من قيام كل موظف بدوره، وبالتالي فهي تُحدد مكان الأخطاء والانحرافات في سير العمل، وهو ما يجعلها مثل المؤشر الذي يحكم بنجاح العمليات من عدمه، بل ويساعدها كذلك على تصحيح المسارات الخاطئة من خلال معلومات ونتائج الأداء وسير العمل، هذا وتساعد الرقابة الإدارية في عملية تشخيص مسببات كل ظاهرة تمر بها الشركة سواء اكانت إيجابية أو سلبية كذلك بإمكانها قياس كل جهد تم بذله وكل نجاح تحقق بما يضمن إنصاف الجهود، كما أنها تتأكد من الالتزام بالسياسات الإدارية في كل إدارة وقسم، وهو ما يُجنِّب حدوث عمليات عشوائية غير مُتناسقة مع سياسات الشركة العامة، إضافة إلى ذلك فإنها تهدف إلى ضمان الاستخدام الأمثل للموارد من خلال مراقبتها ومنع هدرها مع بيان أهم أوجه التقنين والترشيد، ووضع الموازنات المناسبة للمشاريع وخطط العمل المُقرّرة، هذا ويمكن أن توجد الرقابة على عدة طرق أهمها هو ان تكون إما "رقابة داخلية "وهي التي تقوم بها إدارة داخلية من الشركة تكون تابعة بشكل مباشر لصانعي القرار والمسئولين عن القطاعات في أعلى الهيكل الوظيفي، أو أن تكون " رقابة خارجية" تتم عبر جهة خارجية مُستقلة تحددها الإدارة العُليا ويكون دورها مراقبة وتقييم أداء القطاعات والأقسام المختلفة، وذلك عبر التدقيق التفصيلي على الجوانب الإدارية والنواحي المالية والقانونية التي تمّت في الشركة خلال فترة مُعينة. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن الرقابة الإدارية هي العنصر الأول والأهم لضمان تنفيذ أعمال الشركات والمؤسسات بالشكل الصحيح وضمن الأطر القانونية، بل وهو الوسيلة الصحيحة والفعّالة لكشف أي أخطاء او هفوات في خطط أو أنظمة تنفيذ الاعمال، وهنا يجب الإشارة الى أن الرقابة لن تكون فعّالة بالشكل الصحيح الا إذا ارتبطت بقوانين ثواب وعقاب يستفيد منها العاملون في المؤسسة أو الشركة، وهنا أستذكر مقولة " بيتر دراكر" الذي يقول " لا يتعامل التخطيط طويل المدى مع القرارات المستقبلية، بل مع مستقبل القرارات الحالية ".