زمن الاستعمار قد ولى

انطلاقا من دور دولة قطر كقوة دبلوماسية رائدة في فض النزاعات وتسوية الخلافات الدولية، وباعتبارها واحدة من أهم الفاعلين على الساحتين الدولية والإقليمية في هذا المجال، من خلال إنجازاتها المشهودة في عشرات الملفات، وآخرها النجاح في اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة، جاءت تأكيدات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في كلمته الافتتاحية لأعمال الدورة الرابعة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أكد سموه على استمرار مساعي ووساطة دولة قطر مع كافة الشركاء لضمان استمرار جهود العودة إلى التهدئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. اللافت للنظر في قمة مجلس التعاون أمس، أن القمة لم تستغرق ساعتين على أقصى تقدير، في مؤشر على التوافق والاتفاق التام بين قادة دول المجلس في مضمون البيان الختامي وإعلان الدوحة، كما بدا هذا التوافق بوضوح تام في كلمة حضرة صاحب السمو، حيث ركز في كلمته على عدد من المحاور المهمة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من بينها الثقة في أن دول المجلس يمكنها التوصل إلى تفاهم وتعاون والمساهمة في حل بعض القضايا الإقليمية. صاحب السمو أكد انتهاك كافة المعايير والقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية في فلسطين المحتلة من خلال ما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية، وأعرب سموه عن استغرابه من ردود الفعل العالمية بالقول "رغم انكشاف حجم الجريمة وخروج الاحتجاجات الشعبية في كافة أنحاء العالم ما زالت بعض الأوساط الرسمية تستكثر على الشعب الفلسطيني مطلب وقف إطلاق النار". ويكمل "من العار على جبين المجتمع الدولي أن يتيح لهذه الجريمة النكراء أن تستمر لمدة قاربت الشهرين". وطرح سمو الأمير مجموعة من الحقائق التي يجب التوقف عندها بالتحليل المعمق، وهي: - الدفاع عن النفس لا ينطبق على الاحتلال وفق القانون الدولي ولا يجيز ما ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة. - المجازر التي ارتكبتها سلطات الاحتلال تعمق الشعور بالظلم وبعجز الشرعية الدولية. - زمن الاستعمار قد ولى. - الأمن غير ممكن من دون السلام الدائم وكلاهما لا يتحققان من دون حل عادل للقضية الفلسطينية. - الشرعية الدولية ضحية الحرب الهمجية. - الهدن ليست بديلاً عن الوقف الشامل لإطلاق النار. ونستخلص من خطاب سموه، أن جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي تستوجب رد فعل دولي قوي، يوقف هذه الجرائم ويقدم مرتكبيها من قادة الاحتلال للعدالة الدولية، فإسرائيل التي أمنت العقوبة تواصل الإمعان في قتل الفلسطينيين، وارتكاب المجازر المروعة بحقهم. إدانة دولة قطر الشديدة، ما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم، ومطالبتها بتحقيق دولي فوري وشامل ومحايد في هذه الجرائم، خاصة الاعتداءات التي طالت المنشآت المدنية والإغاثية والإنسانية، وضمان مساءلة مرتكبيها وعدم إفلاتهم من العقاب. وقد كثفت دولة قطر جهودها السياسية والدبلوماسية منذ بداية العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، حيث سعت للتواصل مع كافة الأطراف الفاعلة، من أجل التهدئة ووقف إطلاق النار وتذليل كافة الصعاب، لإيصال المساعدات الإغاثية والطبية العاجلة لسكان القطاع. جهود دولة قطر وشركائها الفاعلين في مصر وأمريكا بالتوصل لهدنة قابلة للتمديد، تشمل وقف إطلاق النار وتبادل عدد من الأسرى والمدنيين والسجناء الفلسطينيين، حيث سعت دولة قطر لتعزيز جهود الوساطة للوصول إلى هدنة دائمة ووقف دائم لإطلاق النار، فيما تجدد إسرائيل هجماتها الوحشية من جديد على سكان غزة، في خطوة مخيبة للآمال المعقودة على تمديد جديد للهدنة. ورغم ما تقوم به سلطات الاحتلال من عربدة وتعطيل للوساطة ومحاولة فرض واقع جديد في المفاوضات، فإن دولة قطر أخذت عهدا على نفسها ألا تألو جهدا ولا تدخر وسعا، مع الدول الفاعلة كافة لاستئناف الهدنة، وصولا إلى وقف دائم لإطلاق النار. صاحب السمو أكد مرارا، وأكد في كلمته أمس أيضا أن قطر التي بذلت جهودا كبيرة في الوساطة لوقف هذه الحرب الانتقامية، ونجحت مع الشركاء بالتوصل لاتفاق هدنة إنسانية في غزة، تم بموجبها تبادل الأسرى من النساء والأطفال بين الجانبين، ستواصل جهودها من أجل العودة للهدنة والوصول إلى اتفاق نهائي يوقف العدوان ويجبر إسرائيل على العودة إلى مفاوضات ذات مصداقية، لتحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية ومبادرة السلام العربية عبر حل الدولتين، وهو الحل الذي ارتضاه الفلسطينيون والعرب وتوافق عليه المجتمع الدولي، مما يتطلب إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967. دولة قطر عبرت عن أسفها الشديد لاستئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إثر انتهاء الهدنة، دون التوصل لاتفاق على تمديدها، حيث ذكرت وزارة الخارجية في بيان، أن المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مستمرة بهدف العودة إلى حالة الهدنة وتسليم المساعدات، مضيفة أن استمرار القصف على قطاع غزة يعقد جهود الوساطة ويفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع. ولا تدخر دولة قطر جهدا في تقديم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني الشقيق، وهي تعمل على كل المسارات السياسية والإنسانية وتتحرك في كل المحافل الإقليمية والدولية، وعلى المستوى الثنائي مع الدول الصديقة والشقيقة، لمساندة الشعب الفلسطيني الشقيق، خلال هذه الظروف الإنسانية الصعبة التي يتعرض لها حاليا. وتعمل دولة قطر بتركيز شديد على المسار الإنساني سواء في إطار الجهود السياسية لفتح المعابر أمام انسياب المساعدات الإغاثية، أو من خلال الجسر الجوي الذي لم يتوقف يوما عن إرسال الطائرات المحملة بالإغاثة إلى مدينة العريش المصرية. وهنا، لابد من الإشارة إلى التوجيهات التي أصدرها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بعلاج 1500 جريح، وكفالة 3 آلاف يتيم من الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، مع التكفل بنقل الجرحى ومرافقيهم بالتنسيق مع جمهورية مصر العربية الشقيقة، تمهيدا للعلاج في المستشفيات المحددة. هذه المبادرة تأتي امتدادا لدعم دولة قطر الثابت وجهودها المستمرة للتخفيف على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهي جزء من دعم أوسع وجهود أكبر يقودها سمو الأمير، من أجل التهدئة والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. حضرة صاحب السمو أكد في كلمته أمس، أن دولة قطر تواصل مساعي وساطتها مع كافة الشركاء، لضمان استمرار جهود العودة إلى التهدئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. وشدد سموه على ضرورة وقف إطلاق النار، لتفادي كل ما من شأنه تعقيد جهود الوساطة وزيادة تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة. كما أكد سموه حرص دولة قطر على الوقف الدائم لإطلاق النار في الأراضي الفلسطينية، يواكب تكثيف الاتصالات والتحركات الدبلوماسية، لإيصال الصورة الحقيقية لما يجري في غزة من مأساة إنسانية تفوق الوصف. وتأتي مساعي قطر لخفض التصعيد وحقن دماء المدنيين، ومعالجة المسائل الإنسانية، بما فيها إطلاق سراح المحتجزين وإيصال المساعدات العاجلة، انطلاقا من إيمانها بأهمية الدبلوماسية والجهود السلمية في تسوية النزاعات، وبالتنسيق والعمل بشكل تكاملي مع الأشقاء في الدول العربية والإسلامية. منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، تحولت الدوحة إلى قبلة لقادة العالم وكبار المسؤولين الدوليين، وباتت مركزا للدبلوماسية العالمية والاتصالات من كل أنحاء العالم، لما تلعبه من دور رئيسي في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية مصر العربية. وقف الحرب وفتح أفق سياسي أمام الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، سيظل هدفا رئيسيا تعمل عليه قطر مع كل الشركاء في المجتمع الدولي، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. وتتبع سلطات الاحتلال التي تنتهك القانون الدولي بشكل فاضح ومستفز، سياسة العقاب الجماعي تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الضفة الغربية، وهو ما تدينه دولة قطر، وتعتبره غير مقبول، تحت أي ذريعة، فالمجازر الإسرائيلية في غزة، يجب أن تواجه برد فعل عالمي قوي يوقف ذبح الفلسطينيين. وقد طالبت قطر بالوقف الفوري لإطلاق النار، وضمان تدفق قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية بصورة مستمرة ودون عوائق، بما يلبي الاحتياجات الفعلية للأشقاء الفلسطينيين العالقين تحت القصف في غزة، كما أكدت رفضها التام كافة محاولات الاحتلال التهجير والنزوح القسري لمواطني قطاع غزة المحاصرين. كما أن قطر التي تقود مع الشركاء جهود الوساطة، أكدت التزامها باستمرار الجهود التي أدت إلى الهدنة الإنسانية، وأنها لن تتوانى عن القيام بكل ما يلزم للعودة إلى التهدئة. صاحب السمو رحب أيضا في كلمته بمشاركة تركيا في القمة الخليجية الـ 44، ممثلة في فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، ضيفا على الدورة (44) للمجلس الأعلى، وقد شارك الرئيس التركي خلال القمة في بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة، ومناقشة سبل تعزيز أواصر التعاون القائم بين الجانبين في إطار الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون والجمهورية التركية، حيث تم الاتفاق على أهمية تنفيذ خطة العمل المشترك وتوسعة نطاقها، والانطلاق بالشراكة التي تجمع الجانبين الى آفاق أرحب. وفي ختام القمة، سعى سموه أيضا من خلال كلمته الختامية، إلى التأكيد على أن قوة وتكامل منظومة مجلس التعاون الخليجي، تكمن في خدمة المصالح المشتركة ومواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، وأن القمة جاءت استكمالا لمسيرة العمل الأخوي المشترك بين دول المجلس في إطار عمل مجلس التعاون الخليجي. سموه تطرق أيضا إلى أهمية العمل الخليجي المشترك خاصة في الظروف التي يمر بها العالم حاليا، كما دعا للارتقاء بمستوى التعاون بين دول المجلس، في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاستثمارية وغيرها من القطاعات ذات الأولوية.