من المفيد اليوم لنا نحن العرب، بدون شك، قراءة كتاب "التنين الأكبر، الصين في القرن الواحد والعشرين"، حتى وإن مضى على صدوره عقدان من الزمن، لكي نستلهم المحفزات ودوافع التغيير علنا نستفيد منها، وعساها تشعرنا بشيء من الغيرة، تكفي لنطلق ثورة علمية عربية لتغيير واقعنا، فقد اعتمد الكتاب على معطيات وملحوظات وقراءات تم استقاؤها ورصدها وجمعها على ضوء المشاهدات والمتابعة الميدانية والبحثية اللتين وفرتا كما كبيرا من المعلومات والبيانات مهدت جميعها للثورة الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية الصينية، وكانت بمثابة تحول شامل أبهرت به الصين العالم، لذلك فقد قررت البدء في قراءته وتقديم رؤية وملخص عنه مستثمرا مقالي الأسبوعي في جريدة "لوسيل"، التي أعتبرها بحق واحدة من أبرز وأهم الصحف التي تصدر في المنطقة في الشأن الاقتصادي لما تتناوله من قضايا وموضوعات وتحتويه من بيانات وتحليلات وقراءات عميقة وثمينة تتميز بالشفافية والتقانة والجودة والوضوح. انطلق الكتاب في تناوله لموضوعه، من الأزمة الاقتصادية الآسيوية التي "أثارت المخاوف من انهيار اقتصادي عالمي..."، أو بحسب ما أطلق عليها الكاتبان "المرض الآسيوي" الذي تسبب في "زلزال الديون المعروفة، والعملات المنهارة، والبنوك المفلسة، وانهيار أسعار الأسهم التي تلاحقت أصداؤها في ماليزيا وتايلاند وهونج كونج وكوريا الجنوبية، وبدأ يمسك بخناق الاقتصاد الياباني... ". وفي ذات الوقت كان فيه بيل كلينتون "غارقا في وحل الفضيحة، وظهر بوريس يلتسين عاجزا عن الحكم، واقترع الناخبون في ألمانيا ضد هيلموت كول..." فكيف كان وضع الصين بين هذه الأزمات والفضائح والاخفاقات؟ لقد خلص "النقاد في مجلة نيويورك تايمز إلى أن فريق القيادة في الصين برئاسة الرئيس جيانج زيمين، ومعه رئيس الوزراء جو رونجي يبدون في صورة نظام الحكم الأكثر استقرارا واتساقا في العالم". المشاهدات الأولى التي رصدها مؤلفا الكتاب على ضوء زيارتهما للصين والتي كانت في حكم المحظورات والممنوعات وشكلت بداية التحول، للمسافرين "من رجال الأعمال القادمين من هونج كونج في سيارات المرسيدس والليكزس، هذا إن لم يستخدموا طائرات الهليكوبتر. وتحولت شنجين إلى مدينة يسكنها أكثر من مليون نسمة، وموطنا للمئات من مشروعات الأعمال الأجنبية، واختفت حقول الأرز لتحل محلها ناطحات السحاب والمتاجر وساحات حضرية.. واختفت أقوال الكتاب الأحمر لماوتسي، وحلت محلها إعلانات تضاهيها من حيث الحجم والوضوح؛ للإعلان عن سجائر مارلبورو وغيرها من السلع الغربية الاستهلاكية". فيما الرجل الأمريكي الذي يزور بكين اليوم، والتي "تعج بالنشاط الاقتصادي والتجاري، يمكنه أن يجلس في أضخم محلات ماكدونالد في العالم ليتناول وجبة سريعة...". فالصينيون في واقع الأمر "يتطلعون إلى السلع الاستهلاكية الأمريكية وأسلوب الحياة الأمريكي، وعلى استعداد للتلاؤم مع النظام العالمي الخاضع للنفوذ الأمريكي". من الملاحظ كذلك أن هذا الكتاب وبمجرد ترجمته إلى اللغة الصينية أحدث صدى واسعا وأخضعت محتوياته للنقاش والتقييم، وتناولته وسائل الإعلام بالتحليل، في سعي لاستخلاص الأفكار والرؤى الثمينة التي تسهم في إحداث التحولات الاقتصادية، وهو مؤشر على الجدية والصرامة والإرادة في إحداث التغيير والاستفادة من كل ما يسرع في تحقيق هذه الغاية الوطنية، وهي من أسباب نجاح تطلعات التقدم وتحقيق الخطط والبرامج التطويرية لأهدافها.